رداً على إفتراءات قديمة ..تتجدد بألسنة مختلفة وبصور محدثة
تراثنا – كتب : د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:
لم تخلو الفتوحات الإسلامية التي قادها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عبر الفيافي والبلدان من تشويهات مغرضة ، أطلقها المغرضون والمتضررون منها ، لذهولهم من زوال مُلكهم واعتناق شعوبهم الإسلام بسرعة فائقة بدون إكراه او جبر .
ومن تلك القصص المفبركة المزعومة ، ما نُسب إلى الصحابي الجليل عمرو بن العاص فاتح مصر حرق مكتبة الإسكندرية ، لإظهار الإسلام ديناً معاديا ً للحضارة والعلم ، فما كان من صاحب مجلة المقتبس ( 1911م) الشامية العلامة محمد على كرد (**) إلا أن نقل مقالة كتبها” ألفرد بتلر ” في مجلة التايمز متصدياً لهذه الأكذوبة بالأدلة والبراهين .
تنقل تراثنا لقرائها ومتابعيها المقالة من مضان مكتبتها وأوراقها المعتقة ، لاثراء ثقافتهم ودحض الفرية التي مازال البعض يحلو له ترديدها :
بتلر رداً على جرجي زيدان :
• لو أن زيدان بحث المسألة من وجهيها العلمي والتاريخي لعرف أن ما يحسبه براهين جديدة ليست بجديدة .
• قصة حرق مكتبة الإسكندرية نُشرت في الكتب الأوروبية بعد الفتح العربي (الإسلامي) لمصر بخمسمئة سنة !!
• في الاسكندرية مكتبتان ، أحداهما أحرقها يوليوس قيصر والأخرى إما أن تكون قد نقلت قبل سنة 391 قبل المسيح أو اتلفت .
كتب بعضهم (1911م ) في جريدة التايمز أيد فيها قول من قال أن عمرو بن العاص أحرق مكتبة الإسكندرية بأمر الخليفة عمر بن الخطاب ” رضي الله عنه ” معتمداً على ما قاله جرجي أفندي زيدان في كتابه ( تاريخ مصر الحديث ) فرد عليه الأستاذ بتلر مؤلف كتاب ( الفتح العربي الإسلامي لمصر ) داحضاً تلك التهمة .
وقد نشرت التايمز رده في عدد 25 حزيران الماضي ، قال : غريب أن يتحدث الناس من جديد بحرق عمرو بن العاص “رضي الله عنه ” لمكتبة الإسكندرية أن ينشر مثل ذلك في جريدة كبيرة الشأن ، كجريدة التايمز وعندي أنه لا يمكن ان يكن لكاتب قد بحث في المسألة من وجهيها العلمي والتاريخي فأنه لو فعل لعرف أن الحجج التي يحسبها براهين جديدة على صحة قوله ليست بجديدة ، ولا يركن إليها في بحث هذه المسألة .
• لو كانت المكتبة موجودة في زمن الفتح العربي ( الإسلامي ) لكان نقلها ممكناً وفقاً لمادة في المعاهدة تسمح بنقل الأشياء الثمينة .
• لو أن المكتبة نقلت أو أتلفت لما كان مؤرخ العصر العالم ( جون فيكيو ) أغفل ذكرها وسكت عن حادثتها كل السكوت .
وقد عقدت في كتابي ( الفتح العربي لمصر ) فصلاً طويلاً على هذا المبحث أظهرت فيه بالأدلة البينة ما يأتي :
1- أن قصة حرق مكتبة الإسكندرية نشرت في الكتب الأوروبية بعد الفتح العربي ( الإسلامي ) بخمسمئة سنة ، وناشروها عبداللطيف وجمال الدين أبوالفدا والمقريزي ، ولا شك أن أبا الفرج اقتبس روايته عن عبداللطيف وليست هذه الحقيقة اكتشافاً جديدا بل هي أمر قديم معروف .
2- إن تعليل الحادثة يخرجها عن الجد والصحة .
3- إن بطل الحادثة هو يوحنا فيليونوس ، وهذا مات قبل الفتح العربي ( الإسلامي ) بكثير من السنين .
4- كان في الإسكندرية مكتبتان مهمتان أحداهما مكتبة المتحف والثانية : مكتبة السيرابيوم .
ولابد أن تكون الرواية تشير إلى إحداهما :
فالأولى أتلفت في الحريق الذي أحدثه يوليوس قيصر قبل الفتح العربي ( الإسلامي ) بأربع مئة سنة. وأما الثانية ، فيظهر من التاريخ أنها إما أن تكون قد نقلت قبل سنة 391 قبل المسيح أو اتلفت وخُربت في ذلك التاريخ ، وعليه لم يكن في الإسكندرية مكتبة سنة 642 بعد المسيح ، ولم يوجد ذكر للمكتبة في كتب القرن الخامس والسادس والسابع مطلقاً .
5- لو كانت المكتبة موجودة في زمن الفتح العربي ( الإسلامي ) لكان نقلها بسهولة ممكناً في مدة الهدنة التي أعطيت قبل تسليم الإسكندرية وفقاً لمادة في المعاهدة تسمح بنقل الأشياء الثمينة وكان طريق البحر يومئذ مفتوحاً .
6- وأخيرا : لو أن المكتبة نقلت أو أتلفت لما كان مؤرخ العصر العالم ( جون فيكيو ) أغفل ذكرها وسكت عن حادثتها كل السكوت .
وعلى ذلك فمنشيء المجلة المصرية ( جرجي أفندي زيدان ) لم يكتشف إلا ما كان ظاهراً معروفاً، والكاتب لم يدرج في اعمدتكم إلا اعترافاً بجهل ليس فيه أدني برهان في علم التاريخ . فتأمل .
تعليق :
قلت : ( د .الشيباني ) : هذه الحادثة قد كُتب فيها الكثير من الكتاب العرب والغربيين وهي حادثة ملفقه على الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا مصر أيام خلافة الصحابي الجليل الكبير عمر بن الخطاب على يد قائده الصحابي الجليل عمرو بن العاص ، وهي ما ذكره الكاتب هنا ، وسنأت في جولات أخرى على أخبار أخرى ذُكرت في التاريخ عن هذه الحادثة الصليبية المزورة قصد تشويه سيرة الصحابة رضي الله عنهم ودعوة الإسلام النقية .
والله المستعان ..
**انظر مجلة المقتبس – لصاحبها العلامة محمد كرد علي 6/491 – 1329هجري (1911 م )
* د محمد بن ابراهيم الشيباني – رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا