• Post published:17/12/2024

 

 

المستشرقون بين الانصاف والإفتراء

 

المستشرق رينهارت دوزي
المستشرق رينهارت دوزي

 

نراثنا – سمير أحمد الشريف * :

 

كغيره من المستشرقين ، تخلى المستشرق دوزي عن موضوعيته ، ووقف أمام تاريخنا وحضارتنا موقف المفتري ، الذي يبحث عن الشبهات والتشويه .

 

سمير أحمد الشريف
سمير أحمد الشريف

 

ولن نتابع مجمل كتابات الرجل الذي حاول البعض من بني جلدتنا أن يلبسها ثوب العلم والحياد ، مكفتين بالوقوف مع منجز واحد له ، لنرى حجم التجني والتعصب والظلم والتشوية والمغالطات التاريخية البعيدة عن العلمية والموضوعية .

 

مدينة الزهراء الأندلسية
مدينة الزهراء الأندلسية

كما طرح في كتابه ” تاريخ المسلمين في أسبانيا ” مما يحب أن تنتبه له الأجيال في دراسة هذا التراكم البحثي الذي تركه أهل الاستشراق الذي يخلط السم في ما يبدو لغير المتفحص المدقق دسما ، بخاصة وأن الكتاب يورج كمرجع لا غني للدارسين !

انكار الحقيقة والواقع

 

هاهي موضوعية رينهارت دوزي تتجلي واضحة حتى في اختيار عنوان كتابه ، عندما يغمط ويصادر فترة تاريخية زاهية من حكم المسلمين هناك ، ما زاد عن 700 عام ، وشهد له البعيد والقريب بالتسامح الديني الذي تجسد واقعا حياً ملموساً ، بين أصحاب الديانات السماوية .

 

 

العصر الذهبي للعلم

 

بهاء الأندلس وقصورها وبساتينها
بهاء الأندلس وقصورها وبساتينها

 

 

ما يجتمع حوله الباحثون أن الحكم الإسلامي للأندلس كان فيه كل الخير لتلك البلاد ، وأن قرطبة العاصمة ، معروفة للقاصي والداني بالازدهار والتقدم العلمي والتوسع في التأليف والترجمة ، وبتطورها وغناها ، وبكونها قنطرة بين الفلسفة اليونانية في أوروبا ، وأن الحكم الإسلامي لأسبانيا ، سمي بالعصر الذهبي للعلم ،وانتشار المكتبات والمعاهد العلمية والحمامات العامة ،وازدهر الأدب والشعر والعمارة ،وغيرها من العلامات التي لا ينكرها غير جاحد .

 

 روايات مكذوبة

 

ويقف دوزي في كتابه على شخصية الخليفة عبدالرحمن الناصر أمام مواقف محاولاً توظيفها لتشويه صورة الخليفة ، ملصقاً به أوصاف الطاغية الظالم ، لأنه حسب دوزي منع إنزال جثة الراهب إيساك ودفنه ، وطلب أن تظل الجثة على الصليب بضعة أيام ، ثم تُحرق ويُدر رمادها في النهر ” دوزي – ص121 ، وهذه الحادثة غريبة شاذة ، لم تذكر في المصادر الإسلامية ذات الاعتبار .

يطعن في عهد الخليفة الناصر

 

 

أزقة الأندلس وحاراتها الشبيهة بالمشرق
أزقة الأندلس وحاراتها الشبيهة بالمشرق

 

ويستمر المؤلف الموضوعي !! في محاولاته لتشويه شخصية وفترة حكم عبدالرحمن الناصر بقوله ” أن نيران الثورة لدى الأسبان قد خمدت لأن الشيخوخة قد دبت في زعماء هذه الجماعة ،ولم يتحمس لفكرة التمرد والخروج من الدولة الأموية أحد ” ، ويفسر هذا الركون بتذمر الأسبان من الفوضى والحروب ، وأن الأسباني صار يومياً يشاهد الجنود وهم يجتاحون الحقول تدميراً وتخريباً ،و قطع الأشجار المثمرة ، والواقع الملموس أن استباب الأمن ، وطمأنينة السكان على مصالحهم ،وتمتعهم بحريتهم الكاملة ، هو الذي جعلهم يوقفون حركاتهم واعتراضاتهم .

 

ثم يشيد بعهد الناصر !

 

وهذا ما يؤكده دوزي نفسه الذي ذكر في نهاية بحثه ما يثبت تخبطه في أحكامه  فقد أشاد بعصر عبدالرحمن الناصر ومناقبه بقوله ” اننا نجد إذا ما درسنا ذلك العصر الباهر ، أن الصانع يثير الاعجاب والدهشة ، بأكثر مما يثيرهما المصنوع ، تثيرهما تلك العبقرية الشاملة التي لم يفلت شيء منها ، والتي تدعو إلى الاعجاب في تصرفها نحو الصغائر ، كما تدعو إليه في أسمى الأمور ، إن الرجل الحكيم النابه ، الذي استأثر بمقاليد الحكم ، وأسس وحده الأمة ، ووحدة السلطة معاً ، وشاد بمعاهداته نوعاً من التوازن السياسي ،والذي اتسع تسامحه الفياض لأن يدعو إلى نصحه رجال من غير ملوك العصر الحديث ( 132ص) .

تناقض ومغالطات

 

 

 

كيف يقع دوزي في مغالطاته ويناقض نفسه وهو يشيد ويقر في ص 85-86 بتسامح المسلمين مع نصارى الأندلس ، بتأكيده أن تسامح ومعاملة المسلمين الطيبة لأهل الذمة أدت إلى إقبالهم على الإسلام ، وأنهم رأوا فيه البساطة واليسر ، مما لم يألفوه في دياناتهم السابقة ، لكنه يعاود الغمز والتمحك في البحث عن فرصة للتشويه بقوله : أن تسامح المسلمين في الأندلس عائد لرغبتهم في جمع المال والضرائب والجباية !!

 

 

 

 

ما وقفنا عليه غيض من فيض ، مما ورد في كتاب دوزي من اغاليط وتشويها ، للتدليل والتنبيه ، فهل يستحق الرجل وجهود ه البحثية ما يوصف به على ألسنة البعض من علمية وموضوعية ،كبعدالرحمن بدوي ، الذي وصفه في موسوعته ، بمستشرق هولندي عظيم ص 259 ،وقوله عن كتاب دوزي ، ص 262 أنه من أكبر الأعمال التاريخية التي كتبها المستشرقون ؟!

 

 

نقلا عن تراثنا – العدد 92

 

 

غلاف مجلة تراثنا - العدد 92- جمادي الآخرة 1446 هجري - ديسمبر 2024 م

 

 

 

تواصل مع تراثنا

 

اترك تعليقاً