ارتدادات وباء كورونا على مباحث تأريخ الطب في الكويت وقراءته (1)
تراثنا * : للتاريخ دهاليزه وممراته ومسالكه الوعرة ، من أمسك بأول خيوطها ، سهل عليه تجنب عثراتها ، وخرج سليماً معافى ، نقي الثوب من الشوائب ..قدر الإمكان .
وتجنب عثرات التاريخ ، نقصد بها الخروج من الظلمات التي أحاطت بمروياته ، وما يعتريه من فخاخ ينصبها أصحاب الأغراض والغايات ، تخرج المعلومة عن سياقها الصحيح .
ولذلك فالوقوف على أرض متينة ، كفيل بإخراج الباحث من الوقوع في تلك الشراك ، ولا يكون ذلك إلا بالرجوع إلى أهل الصنعة ، الثابتة اقدامهم في هذا المجال ، وهم المرجعيات لنا في علوم التاريخ من الوقوع في الأهواء والزلل ، بما من شأنه حسم الخلاف ، أو على الأقل تحجيمه بدلا من تشعبه وتشطيه على غير هدى .. إلى ما لا يعلمه إلا الله .
يأتي هذا الحديث في وقت حل على المعمورة وباء ما اصطلح العلماء على تسميته بفيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19 ) ، وبطبيعة الحال ، فإن كل ذي صنعة من ذوي الاختصاص يجد في هذا الحدث بغيته لتقديم اطروحاته وبحوثه .
-
أسرة ” الشرق ” الناجية في وباء الطاعون عام 1831 ذكرها المؤرخون ولم يحددوا من تكون .
-
تحديد أسرة بعينها أنها الناجية من وباء الطاعون يتطلب توثيق يعتمد على مراجع المؤرخين السابقين والوثائق .
-
حادثة أسرة شرق وثقها المؤرخون والباحثون : الرشيد ، الرومي ، القناعي ، الحاتم ، ديكسون ..وغيرهم .
-
ما من شاردة ووارادة في تاريخ الكويت إلا وقد وجدت طريقها مدونة في وثيقة أو معلومة أو خبر أو تلكس أو مجلة .
تنوع التخصصات والمعالجات
فأهل الطب وصناعته بمختلف مدارسهم ، نشطوا في دراسته والبحث عن وسائل الوقاية منه وعلاجه ، وأهل الاجتماع قدموا حلولهم ، وكيفية التعايش مع هذا الظرف بآمان نفسي واجتماعي ، وأهل الأمن نشروا قواتهم وأسلحتهم لتطبيق القوانين الصادرة من السلطات لمنع التجمعات للحد من انتشار الوباء .
أهل الشريعة وكورونا
وعلماء الشريعة بدورهم اخرجوا ما في جعبتهم من أحاديث نبوية لرسول الأمة صلى الله عليه وسلم تدعو إلى تطبيق عزل المصابين بالأمراض عن الأصحاء أذا حل البلاء في أرض ” لا يورد ممرض على مصح “..وبينوا بالآيات ابتلاء الله البشرية بهذا الوباء ، كما ابتليت أمم سابقة بما كسبت ايديهم “ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ” و ” ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ” بالاستكبار والاعراض عن أمره ونهيه وسوء استخدام نعم الله ، والحث على اكتشاف الداء وأسباب الدواء ” ما أنزل الله عز وجل من داء إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله ” و ” تداووا بالصدقة ” و ” الصدقة تقي مصارع السوء ” و “ لكل أجل كتاب ” ودعا العبد إلى التضرع لله ” فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم ” وغيرها من الآيات والسنة النبوية الصحيحة ، مما في مجمله أن تحل الطمأنينة والسكينة على العبد ، وعدم استسلامه للقنوط والحزن الذي يدعو الشيطان اتباعه إليه ، وفيه شحذ الهمم على اتخاذ الأسباب من تسلح بالعلم والإعداد لكل أمر بما يناسبه من أسباب وعدم الركون .. فالسماء لا تمطر ذهباً ولا فضة ، إلا ببذل الجهد والسعي المستحق لها “ اعقلها وتوكل “..وفي النهاية ، فأمر المؤمن كله خير..إن إصابته سراء فشكر أو وضراء فصبر ..لأنه لا يعلم الخير الذي يريده الله للفرد أو البشرية ولا يدركها عقله في وقتها…انما يفعل ذلك ابتغاء مرضاته.
أهل التاريخ ودورهم
ولا يشذ أهل الاختصاص في المباحث التاريخية عن هذا المنوال ، حيث نشطوا كلٌ في مجاله ، مستخرجاً النماذج التاريخية لأوبئة وقعت في التاريخ ، حلت بها البلوى .
وهو مجال مفتوح للباحثين بدون شك ، حيث يدلي كل بدلوه في هذا المجال ، ضمن أطار التوعية والمساهمة في ارشاد الناس إلى تصرف الشعوب والأمم في مثل تلك الأوضاع الطارئة .
وباء الطاعون وأسرة ” شرق “
فيما يخص الكويت ، كانت قضية طاعون ( القعاص ) عام 1831م والمنطقة حينها ، مثار بحث واجتهاد بين الأخوة الأفاضل الباحثين ، وبالأخص الحادثة المشهورة ، التي ذكرها المؤرخون عن الأسرة التي تقطن في حي (الشرق) ونجت من الإبادة التي قضت على معظم الأهالي .
ويذكر المؤرخون ان تلك الأسرة نجت بفضل من الله ، باحتفاظها بكمية من المواد الأساسية مخزنة في بيتها ، ولم تحتاج إلى الخروج ، فيما أصرت احدى افرادها على الخروج للاطمئنان على أقاربها ، فقيل لها إن خرجت فلا عودة للبيت ، خوفا من دخول الوباء إلى قاطنيه ، ولكنها أصرت ، فأُخرجت عن طريق حبل تدلت به من السطح لخارجه ، ولما عادت لم يفتح لها الباب للدخول ، فماتت خارج المنزل بالطاعون .
المؤرخون والأسرة الناجية
هذه الرواية ، تداولها المؤرخون ، على رأسهم المؤرخ عبدالعزيز الرشيد في كتابه ” تاريخ الكويت ” في طبعته الأولى عام 1926 م وما تلاها ، والشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه ” صفحات من تاريخ الكويت ” في طبعة عام 1988 م ، والأديب المؤرخ أحمد البشر الرومي قي كتابه ” مقالات عن الكويت ” ط . عام 1966 م ، والمؤرخ عبدالله الحاتم في كتابه ” من هنا بدأت الكويت ” ط .عام 1980 م ، وفيوليت ديكسون زوجة المعتمد البريطاني السياسي في الكويت في كتابها ” 40 عاما في الكويت ” ط. عام 1995 م ، والباحث المؤرخ حمد السعيدان في كتابه ” الموسوعة الكويتية المختصرة ” ط . 1981 م ، والمؤرخ عثمان بن بشر في كتابه ” عنوان المجد في تاريخ نحد ” ط . 1983م ، وأخيرا كتاب ” الأمراض الفتاكة في تاريخ الكويت .. الطاعون ، الجدري ، الأنفلونزا ” للشيباني ط . 2017.الذي جمع كل أقاويل وروايات السابق ذكرهم من المؤرخين .
الباحثون والإجتهادات
المؤرخون والباحثون الذين يشار إليهم بالبنان كمراجع ، لم يتوسعوا في تفصيل الحادثة بأكثر مما ذُكر ، وأنها اسرة من حي” شرق ” دون تفصيل يشير إلى من هي هذه الأسرة المقصودة ، أو نشاطها أووضعها الاجتماعي أو غيره ، وبقيت مجهولة إلى يومنا .
لذلك تبقى الاجتهادات التي تشير إلى أن المقصود بالحادثة هي الأسرة الفلانية او غيرها ، يأتي خلاف ما سطره المؤرخون في شهاداتهم على التاريخ ، وهي اشبه ما تكون رجم بالغيب ، في غياب الأدلة والوثائق التي تثبت صحة هذا القول، ولا شك أن الجميع منفتحين لتقبل كل وثيقة ثابتة تضيف معلومة جديدة تجلي الموضوع .
الوثائق هي الفيصل
وربما لا اتجاوز الحقيقة إذا قلت أنه ما من شاردة وواردة في التاريخ الكويتي إلا وقد وجدت طريقها مدونة في وثيقة أو معلومة أو خبر أو تلكس او في مجلات ووثائق وذكريات ، يجدها الباحثون في صحف عراقية أو مجلات كويتية قديمة ، أو وثائق بريطانية أوفرنسية وعثمانية .
في الختام : تأتي كلمتنا هذه استلهاماً لقوله صلى الله عليه وسلم ( سددوا وقاربوا ) .. والله نسأل لنا ولجميع الأخوة السداد والتوفيق لما يحبه الله ويرضاه ..
والله المستعان ..
* اخوكم د . محمد بن إبراهيم الشيباني
رئيس التحرير ومركز المخطوطات والتراث والوثائق
اقرأ : الحلقة (الثانية ) من ارتدادت وباء كورونا : المستشفى الأمريكاني ينهي أعماله في الكويت لأن حكومة الكويت رشيدة !
شاهد : فيديو يلخص احداث طاعون عام 1831 م في الكويت ( تداولته وسائل التواصل الأجتماعي )