الحلقة الثانية
علامة الجزيرة حمد الجاسر في سطور
تراثنا – التحرير :
يُعد علامة الجزيرة الأديب السعودي الشيخ حمد الجاسر(1910- 2000م) من كبار الأدباء في المنطقة ، وله مساهمات كبيرة في إحياء تراث الجزيرة العربية وله معجم عن جغرافية السعودية ومؤلفات عدة في التاريخ والسير والمخطوطات وكتب في النسابة ومشاركات في مؤتمرات محلية وخارجية وغيرها.
المؤرخ الجاسر :
-
والدتي اشقاها العمل بفلاحة الحقل وتربية الأطفال فنشأت هزيلة عليلة مشغولة بنفسها وفي ضيق من الحياة !
-
تلجأ الأمهات لعلاج اطفالهن بالأعشاب مثل الحلتيت والصبر ما يُضاعف آلام الطفل فلا مناص من علاجه بالكي .
-
والدي وجد في أخوتي عوناًً في عمله بالفلاحة ولضعف صحتي لم يعول علي فوجهني للتعليم فكنت ألأفضل منهم !
من أرشيف مركز المخطوطات والتراث والوثائق الصحفي الوثائقي انتقت مجلة تراثنا تقرير هام نشرتها الزميلة القبس الكويتية في ملحقها الصحفي ، تحت عنوان ” شاهد على العصر ” ملفاً كاملاً عن العلامة الراحل بمناسبة وفاته ، ننشر مقتطفات منه ، وفي هذه الحلقة يلقي الجاسر الضوء على حالة والدته الفلاحة ومكابدة الحياة :
عناء وشقاء
أما أمي فكانت واحدة من نساء فلاحي القرى ، اللواتي يشاركن ازواجهن في الأعمال، ويقمن بأكثرها وأشقها ، فالمرأة تحضر الحطب من البر، وهي تحمله على ظهرها ، وتجمع علف المواشي من الأمكنة التي تنبت العشب ، أو من داخل الأراضي الزراعية .
وهي التي تعلف الدواب بعد تنقية العشب وغسله ، وهي التي تستخرج الطفيليات التي تنبت داخل الزرع فتضعفه ، وهي التي تنهض بشؤون البيت من إعداد الطعام ،وتربية الأطفال ، وتأدية شؤون الأسرة الأخرى ،وهكذا تنشأ عليلة هزيلة مشغولة بنفسها ، وبما ينتابها من الهموم بحالة أطفالها .
فأبوان يعيشان على تلك الصورة من الحياة – أو أسوأ – كيف تكون حالة ابنهما ؟ وماذا يكون عليه أطفال عاشوا في بيت شُغل أبواهما بما صرفهما من همومهما ؟
فضلاً عما قد يجري بين الأبوين من جراء ضيق الحياة من سوء تفاهم ، قد يفضي إلى الفراق ، فيبقى الأطفال في كنف ضرة لن تكون حالتها بأحسن من حالة سابقتها .
المعاناة في الطفولة
كان الجاسر في طفولته مريضاً إلى درجة أن حفر لك أربعة قبور ، ويقول عن ذلك :” نساء فلاحي القرى لا ينلن من الراحة والتغذية الجيدة ما يمكنهن من ارضاع أطفالهن الرضاعة الكافية ، فهن ينشأن نحيلات مرهقات للرضاع من خلو يديها من اللبن تضطر لاستعمال ما تراه لسد حاجته .
مما قد يؤثر على صحته من حيث لا تشعر ، فهي تغذية بقليل من التمر المشبع بالدهن ، أو بغيره من الأطعمة التي لا تتحمل معدته هضمها ، فيصاب بإشكال من المغص التي تقض مضجعه بالبكاء فتلجأ لاستعمال بعض الادوية العشبية كالصبر و”المر ” و ” الحلتيت ” وغيرها ، وكلها حارة تضاعف من آلامه فلا تحد حيلة من معالجته بالكي ، فتنقش بطنه بلسعات حديدة محماة بالنار ، وهكذا كانت حالتي كأمثالي من الأطفال الذين قل أن يعيش منهم إلا القليل .
ما كنت أدرك بسبب آثار ذلك المرض ، وأني لطفل لم يتجاوز الخامسة من عمره ، أن يدرك شيئا من تلك الفترة من حياته ، وإنما الذي ادركته ، فيما بعد فأصبحت أعد ذلك البلاء نعمة بالنسبة لي ، هو ما عبر عنه الشاعر القديم بقوله :
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض القوم بالنعم
كل ميسر لما خلق له
ومن المعروف أن الأطفال يُولدون متفاوتي الصحة ، فأحدهم يولد هزيلاً شاحب اللون ، وأخر مكتنز الجسم ذا حيوية وقوة وحركة ، وهذا الذي يُغالب سوء الحياة ، فيتغلب عليها فيعيش .
ولي أخوان شقيقان كانا أسعد حالاً مني ، فوجد فيهما أبي بعد كبرهما ما كان عوناً له في اكتساب المعيشة ، بينما أستمر الضعف معي ، مما حمل أبي على عدم التعويل عليّ في أي شأن من شؤونه ، فكان أن وجهني للتعليم ، فكنت في حياتي على ضعفها اسعد حالاً من أخويَّ اللذين شاركا أباهما في ما أصابه ، وهكذا توقعت ، فكل إنسان ميسر لما خلق له .
يتبع لاحقا ..
طالع الحلقة الأولى :
المؤرخ حمد الجاسر..كان أبي فلاحاً يعاني جشع التجار
نقلا عن تراثنا – العدد 19
تواصل مع تراثنا