دين الفطرة الوسطية ..لا افراط ولا تفريط
راعى الإسلام تنوع المدنيات في البيئات البشرية فمنح كل منها ما يناسبه من التعدد
تراثنا – التحرير :
أخذت قضية إجازة الشرع الإسلامي تعدد الزوجات للزوج الواحد اهتمام واسع لدى العلماء في الماضي ومازالوا حيزا واسعا في الرد على شبهات أصحابها المتغربين ، وكل كتاب يدفع إلى المطبعة يخرج بإضافة معلوماتية جديدة تسد ثغرة مستجدة من تلك الشبهات .
-
المستشرق سرفيه: عجيب أمر الغربيين ومن شايعهم في الداخل الغربي والخارج الأوروبي إنكارهم التعدد ، وهم يبيحون لأنفسهم بالسر والخفاء !
-
مازال التعدد قائماً في الأديان السماوية مثل المسيحية واليهودية،ولكنها بسرية عند الأعيان والكبراء ورجال الدين ، تكتشف بعد موتهم .
-
Driesman : إعطاء محمد “عليه الصلاة السلام ” المرأة حريتها وراء نهوض العرب وقيام مدنيتهم ،ولما سلبوا حريتها انحطوا واضمحلت مدنيتهم .
-
يشترك الأخوة في قبيلة الكاسياس في جبال همالايا وقبيلة النارس في مليبار في الزوجة الواحدة وفي أفريقية وغيرها وهي جارية حتى اليوم.
-
في أحدى الجزر تتزوج المرأة الشريفة من 8 أزواج ، وظهر من تعداد في عام 1821 م ، تفوق الرجال فيها أكثر من النساء بعشرين ألفاً !
وجاء كتاب ( تعدد الزوجات عند الفرس والرومان والمصريين والهنود والغرب وغيرهم ) لمحرره د . محمد بن إبراهيم الشيباني * ليضيف منهلاً جديداً ، يجمع بين ردود مختلفة ، من شرق وغرب ، حرصت أصحابها على تفنيد أوجه عدة من تلك الشبهة ، وتستعرض تراثنا جانب منها جاء في المقدمة والتمهيد بغية التعريف بالكتاب للباحث والقارئ الكريم .
المقدمة
يقول المؤلف د . محمد بن إبراهيم الشيباني في مقدمة الكتاب : ” يعتقد كثير من طبقات الناس إن الإسلام هو الدين الأول الذي بتعدد الزوجات إلى أربع ، وذلك بقول المولى جلت قدرته في كتابه الكريم ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء/3 .
بل الواقع غير ذلك ، فهذه كتب التاريخ القديم تحدثنا بأن التعدد كان في الأمم السابقة ، سواء ممن كانوا من أصحاب الديانات الأرضية أو السماوية ، ومازالت موجودة إلى اليوم في الأديان السماوية ، مثل المسيحية واليهودية ، ولكنها بسرية عند الأعيان والكبراء ورجال الدين ، تكتشف بعد موتهم .
عادات شائعة ومعروفة
ويشير د .الشيباني في (التمهيد) إلى أنه اعتمد في جمع الكتاب على ما كتبه اهل الأديان في القديم والحديث ، وفي الكتب والمجلات العلمية ، بل وما كتبه أهل الإسلام في ذلك ، موضحاً أنها كانت عادة معروفة جداً ، جرى عليها الفرس والرومان والمصريون والهنود وغيرهم من سائر الأمم ، وشائعة كل الشيوع في الشرق وتجيزها شرائعهم ولذلك يألفونها ولا يستهجنونها .
أمثلة التعدد
ويضرب المؤلف أمثلة على نماذج شهدها التاريخ والأديان :
- اشتراك الازواج من زوجة واحدة
- ومثاله اشتراك الأخوة في قبيلة الكاسياس في جبال همالايا وقبيلة النارس في مليبار (1) وهي جارية حتى اليوم على القاعدة الأولى ، أي يشترك جملة أزواج من أسر مختلفة في أمرأة واحدة ، وقد ذكر السياح شيوع هذه العادة بين بعض أهل افريقية ، حيث يتزوج الرجل بامرأة واحدة ، وتتزوج المرأة برجال عدة (2) ، وفي جزائر صندويج (3)يحصرون تعدد الزوجات في النساء الحاكمات .
- المرأة تتزوج بالأخوين
ولكن في سيلان يجوز لكل من الأزواج ان يشرك في زوجته من شاء من الرجال ، فيصيرون أزواجاً شرعيين لها ، بشرط أن يكون ذلك برضي المرأة أيضا .
- العادات والسنن الهالكة تميت الفطرة السليمة
وهذا برهان على أن العادات والسنن قد تسطو على الغيرة الطبيعية ، وحب الأثرة فتميتها ، وقد قال أحد الرواد إنه رأى هنالك أمرأة من الشريفات ، لها ثمانية أزواج ! وظهر من تعداد سنة 1821 م ، أن الرجال كانوا في تلك الجزيرة أكثر من النساء بعشرين ألفاً ، وهذا سر بقاء هذه العادة بين بعض أهاليها حتى اليوم ، مع اجتهاد البرتغاليين في إزالتها .
- أهالي إسبرطة وبريتانية يشتركون في زوجة
أما البرهميون والبوذيون وسائر سكان الشرق الأقصى ، فيعدون الزوجة الأولى شرعية وسائر الزوجات ، فيكن بمثابة عبدات لها ، ومن غريب عاداتهم أنه عندما يموت الرجل تدفن أوتحرق زوجته معه ، ولا عكس (4) .
- تحرير المرأة من العبودية
تبشير محمد صلى الله وسلم بالمرأة وتحريره لها من عبوديتها القديمة لم يخف أمره على العلماء في من كتبة الغرب ، حتى غير المنصفين منهم ، فقد قال المستشرق ( أندريه سرفيه ) في كتابه الذي سماه( الإسلام ونفسية المسلمين ) ما نصه : يتحري محمد ( صلى الله عليه وسلم ) الأسباب التي تجعل المرأة من حزبه ولا يتكلم عنها إلا بكل لطف ، ويجتهد في ان يحسن أحوالها .
- حقوق المرأة في الإسلام
واستطرد سرفيه : كان النساء والأولاد قبله لا يرثون ، بل من ذلك أن الأقرب نسباً للميت هو الذي كان يرث نساء الميت في جملة ما يرث من مال ورقيق ، وعندما نهض محمد( صلى الله عليه وسلم ) أعطى المرأة حق الأرث ، وأوجب كل ما هو حسن في حقها “
ثم قال ( سرفيه ) : من أراد التحقق من عناية محمد ( صلى الله عليه وسلم ) بالمرأة فيقرأ خطبته في مكة، التي أوصى فيها بالنساء ، بل إن العالم الألماني ( دريسمان Driesman ) صرح بأن إعطاء محمد ( صلى الله عليه وسلم ) المرأة حريتها وهو وحده السبب في نهوض العرب ، وقيام مدنيتهم ،ولهذا لما عاد أتباعه فسلبوا المرأة هذه الحرية ،انحطوا واضمحلت مدنيتهم ) (5) ..
- التعدد في الإسلام
ومن الأمور التي يعيبون بها على المسلمين ( تعدد الزوجات ) ونقول : إن محمد ( صلى الله عليه وسلم ) لم يخاطب بشرعه طبقة واحدة من مجموعة البشر كما خاطب غيره من المشترعين ، وإنما كان يخاطب الطبقات كلها ، والأمم كلها ، وفيهم المتوحشة ، وأمة نصف متمدنة ، وأمة متمدنة .
فمحمد (صلى الله عليه وسلم ) في تعدد الزوجات يقول لكل أمة : خذي من شريعتي المرنة ما يناسب محيطك ، وحالة مجتمعك ..
- يعددون وينكرون على الإسلام إباحته لها :
ثم يكمل الكاتب ( سرفيه ) استغرابه من أمر الغربيين وما شايعهم في الداخل الغربي والخارج الأوروبي بإنكارهم التعدد ، في حين أنهم يبيحون لأنفسهم بالسر التعدد بالخفاء “متخذين خليلات وأخدان ” !
وذلك بقوله : بل نعود فنقول : مالنا وللأمم التي يبيح فيها محمد ( صلى الله عليه وسلم ) التعدد بمسوق يسوقه لها من بيئتها أو أمزجتها ، هذه الأمم نفسها ، تُعَدِد بالفعل ، وتنكر بالقول ، وتسب الذين يعددون !!
تنوع الطرح
وتنوعت الأبواب والعناوين التي تناقش هذه القضية من أوجه عدة في الكتاب ، حيث استعرض المؤلف الشبهات المثارة على الإسلام ، وتناول الردود عليها..ويمكن للقارئ والباحث الاطلاع على تفاصيلها، حيث تتوفر نسخها لدى مركز المخطوطات والتراث والوثائق ودار الوراقين ” انظر تواصل معنا ” .
هذا الكتاب
( تعدد الزوجات عند الفرس والرومان والمصريين والهنود والغرب وغيرهم ) ويليه ( زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وفق ما جاء من فضائلهن رضي الله عنهن وعددهن في الكتاب والسنة ) حرره د . محمد بن إبراهيم الشيباني ، يقع في 110 صفحات من الحجم الوسط ( الطبعة الأولى 2020م ) ، الإصدار الأول من سلسلة ” قسم السيرة النبوية ” من منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق..
*محمد بن إبراهيم الشيباني : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
وإقرأ
*مقالات ودراسات وبحوث ولقاءات تاريخية منشورة في تراثنا
هامش :
1 – كلها دياناتها بوذية أو السيخية هم يقومون بذلك، يخبرنا البوذ انفسهم عندا في الكويت
2 – الكواناس : وهم الهنود الحمر السكان الأصليون الوثنيون .
3 – وهذه العادة أو الطبيعة عند قوام الوثنية .
4 – أعد هذه الاسطر الحاشية : سليم عنحوري ، مجلة الضياء 8/201 ،1905 /1906 م
5 – محمد والمرأة ، للشيخ محمد عبدالقادر المغربي ص 14 ،15 .