من ادب الرحلات
في حقبة زمنية شح فيها المال ولكن صدقت النوايا والتعريف بالكويت
تراثنا – كتب د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
في صيف عام 1964م وبعد الاستقلال ( استقلال الكويت) بثلاث سنين ،قررنا نحن ثلاثة فتية كانت أعمارنا بين السابعة والثامنة عشرة ، في العطلة الصيفية التي كانت طويلة ، ومدتها ثلاثة أشهر ، القيام برحلة حول العالم .
استطعنا أن نجمع من أهلنا في ذلك اليوم الذي كانت فيه الأموال شحيحة وغالبية الأسر الكويتية تعتمد ـ بعدالله ـ على الرواتب والمساعدات من وزارة الشؤون، جمع كل واحد منا من أهله خمسين ديناراً ، فأصبح المجموع مئة وخمسين ديناراً ، وإذا أردنا أن نعادل هذا المبلغ مع دنانير اليوم فستصبح الخمسين خمسمئة ديناراً.
-
سهّل الإعلامي أحمد العامر “يرحمه الله “تمويل جولتنا بدعم من الشيخ جابر الأحمد ونشر تفاصيلها في الوطن .
-
حط رحالنا بمبلغ لا يتجاوز 300 ديناراً في أغلب دول الحوض المتوسط وقضينا بها شهران و9 أيام حتى العودة إلى الكويت .
رحالة الكويت
أردنا قبل السفر أن نوثق الرحلة ، فذهبنا إلى قسم السياحة في إدارة المطبوعات والنشر (وزارة الإعلام اليوم) ، وكان مسؤولها الأستاذ صالح الشهاب ” يرحمه الله ” فسجلونا تحت عنوان رحالة الكويت (KUWAIT TRAVELLER) ، وهكذا ذهبنا إلى سائر إدارات الدولة آنذاك ، نأخذ منها مطبوعاتها لنوزعها في الدول التي نحط رحالنا فيها .
دعم الشيخ أحمد الجابر
وفي أثناء مرورنا بالإدارات الحكومية التقينا بالإعلامي الفاضل أحمد محبوب العامر (يرحمه الله) (1922) – (18/10/2015)، فقال : ما شأنكم كلما مررت بدائرة وجدتكم أمامي ؟ فقلنا له : مرادنا من ذلك هو الرحلة حول العالم , فقال : عندكم مصاريف الرحلة ؟ قلنا جمعنا من أهلنا مئة وخمسين ديناراً ! قال هذه لا تكفي ، انتظروا قليلاً أكتب لكم كتاباً اذهبوا به إلى رئيس المالية ، وكان رئيسها آنذاك الأمير الشيخ جابر الأحمد (يرحمه الله) .
وكان مكتبة في إدارة المالية قبل أن يهدم مبناها في أول شارع فهد السالم ، مقابل عمارة ثنيان الغانم ، وكان مكتبه في الدور الأخير العاشر أو الذي بعده ،استقبلنا مدير مكتبه بدر النصرالله ، وكان الشيخ جابر وقتها في اجتماع في إدارة مجلس التخطيط ، فقال للمراسل : اذهب بالكتاب إلى الشيخ ، وانتظرنا عنده في مكتبه حتى رجع المراسل بالكتاب مكتوباً فيه ادفع لكل واحد منهم خمسين ديناراً ، فأصبح المبلغ الإجمالي ثلاثمئة دينار .
بدء الجولة
استطعنا بهذا المبالغ أن نحط برحالنا في أغلب دول حوض البحر الأبيض المتوسط ، من تركية مروراً بالدول الكثيرة ، حتى إيطالية فجزيرة صقلية ثم تونس بالباخرة ، ثم ليبية فمصر براً فالقدس بالطائرة فالأردن فالعراق فالكويت ، في مدة شهرين وتسعة أيام ..وكانت بداية الرحلة من البصرة إلى بغداد ثم إلى الموصل فسورية .
هذه الرحلة ما كانت لتتم لولا الله ثم رأي الأستاذ أحمد العامر الذي أشار علينا بذلك الرأي ، وكتابه الذي كتبه لنا ، وكان قبلها قد اشترط علينا أن نرسل له بالتقارير والصور ، عن كل بلد نحط به ، لينشرها في مجلته (الوطن) وتعتبر ثاني صحيفة بعد جريدة الرأي العام لعبدالعزيز المساعيد .
دعامة إعلامية
تابعنا بارسال الصور والتقارير إليه ، وكان ينشرها في الصفحة الأخيرة من المجلة ، رحمك الله يا أحمد العامر وأسكنك فسيح جناته فأنت واحد من الدعامات الإعلامية الأولى في تاريخ الكويت ، أكتب هذه السطور عنك
لتذكرك الأجيال وتهتم باسمك الدولة ، وتحفظ لك ما قمت به، وقت كان كل شيء شحيحاً ونادراً .
وأذكر أبناء أخيه خالد العامر أن يحافظوا على ميراثه الثري، فيكتبوا عنه تاريخه ويجمعوه في صعيد واحد بالوثائق والصور (1)، والكتابات التي كتبها وكتبت عنه ليطلع على ذلك الجميع .
والله المستعان..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
هامش :
1- نشرت مجلة تراثنا – العدد 76 لشهري ( سبتمبر – أكتوبر لعام 2020م ) تقريراً شاملاً موسعا عن مقالات وكتابات للأستاذ أحمد العامر .
اشترك في الخدمة البريدية المجانية هنا لتلقي الاخبار.
ما تنشره الروابط لا يمثل بالضرورة رأي تراثنا