الحلقة الثانية
شخصيات إسلامية
تراثنا – د. محمد التونجي :
هو العلاء بن عبدالله بن عباد بن أكبر الحضرمي ، واشتهر اسمه في كتب التاريخ بالعلاء الحضرمي ، أصله من حضرموت ، لكن أباه قدم إلى مكة وسكنها ، وحالف حرب أبن امية والد أبي سفيان ، فولد العلاء فيها ونشأ.
حروبه براً
في الحلقة الثانية ، تستكمل تراثنا استعراض دور العلاء الحضرمي الذي أسلم فحسن إسلامه ، وكان له دوراً بارزاً في الفتوحات في عهد أبي بكر الصديق ، وواجه جيوش المرتدين بالبحرين ، فأبلى بلاء حسناً ، بعد ان كاد يصيب المسلمين اليأس من النصر ، بعد فرار جمالهم بما حملت ، فكان العلاء القيادي القدوة الذي يحتذى بصدقه وصبره عند الشدائد .
خاض العلاء حروبه برية وبحرية في منطقة الخليج وشرقي الجزيرة ، كان فيها ظافراً فاتحاً ، وتمثلت حروبه ضد المرتدين ، وضد الأعاجم في الجنوب .
فحين أرتد بعض المسلمين في عهد أبي بكر عقد أحدى عشر لواء لحربهم ، كان للعلاء لواء حرب المرتدين في البحرين ، فكان له وقائع وانتصارات مشهورة ، وعندما ارتد عرب البحرين قام فيهم الجارود بن المعلَّى العبدي يحضّهم على الهداية والعودة إلى الصراط المستقيم ، فقالوا له : نعم .. لو كان محمد نبياَ لم يمت . فخطب فيهم : “.. أتعلمون أنه كان لله أنبياء فيما مضى ؟ قالوا : نعم : قال : فما فعلوا ؟ قالوا : ماتوا ، قال : فإن محمداً قد مات كما ماتوا ، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ” ، فأسلم منهم من أسلم ، فحصرهم المرتدون ، ولم ينقذهم إلا جيش العلاء .
حصار شديد
وخرج الخُطم بن ضبيعة مرتداً ، فاجتمع إليه المرتدون ومن لم يزل مشركاً ، حتى نزل القطيف وهجر، وبعث بعثاً إلى دارين (فرضة بالبحرين) ، وبعث إلى جواثا فحصر المسلمين فيها ، واشتد الحصر على المسلمين ، فقال عبدالله بن حذف وقد قتلهم الجوع :
ألا أبلغ أبا بكر رسولا
وفتيان المدينة أجمعينا :
فهل لكم إلى قوم كرام
قعود في جواثا محصرينا
كان دماءهم في كل فج
شعاع الشمس يغشى الناظرينا
توكلنا على الرحمن أنا
وجدنا النصر للمستوكلينا
الجمال تفر بحملها ثم تعود !
وحين دنت جيوش العلاء من اليمامة لحق به المسلمون مستبشرين بإنقاذهم ، فسلك بهم جمعياً الدهناء ، حتى إذا كانوا بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل ، فنفرت إبلهم بأحمالها ،فما بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء ، فأصابهم هلع شديد ، ووصى بعضهم بعضاً.
فدعاهم العلاء وقال لهم : ما هذا الذي غلب عليكم الغم ؟ فقالوا: كيف نُلام ونحن إن بلغنا غداً لم تحم الشمس حتى نهلك ؟ فقال : لن تراعوا ، أنتم المسلمون ، وفي سبيل الله وأنصار الله ، فأبشروا فوالله لن تخذلوا “.
فلما صلوا الصبح ، دعا العلاء ربه ودعوا معه ، فلمع لهم الماء فمشوا إليه ، وشربوا واغتسلوا ، فما تعالى النهار حتى أقبلت الأبل لتجمع من كل وجه ، وكان أبو هريرة فيهم .
وتابع العلاء سيره برجاله حتى بلغوا هجر ، فاجتمع إليه الجارود المرتد ، وصمد هؤلاء وهؤلاء ، فأرسل العلاء عيناً إلى المرتدين ، حتى إذا رآهم قد غرقوا في السكر ، هاجمهم العلاء بالمسلمين ،فوضعوا السيوف فيهم ، فراحوا بين قتيل وأسير وهائم ، فقسم العلاء الأنفال ، ونفل رجالاً من أهل البلاء ثياباً.
دعاء سبب إسلام راهب !
وكتب العلاء إلى أبي بكر يُعرفه هزيمة المرتدين ، وقتل رؤوس فتنتهم ، وكان مع المسلمين راهب من أهل هجر فأسلم يومئذ ، فقيل له : ما حملك على الإسلام ؟ قال : ثلاثة أشياء ، خشيت أن يمسخني الله بعدها ، فيضٌ في الرمال ،وتمهيد أثباج البحر ، ودعاء سمعته في عسكرهم (عسكر العلاء) في الهواء سحراً : اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك ، والبديع ليس قبلك شيء ،والدائم غير الغافل ، الحي الذي لا يموت ،وخالق ما يُرى وما لا يُرى ، وكل يوم أنت في شأن ، علمت اللهم كل شيء بغير تعلم ” قال : فعلمت أن القوم لم يعانوا بالملائكة إلا وهم على حق !
يتبع لاحقاً ..
طالع الحلقة الأولى :
العلاء الحضرمي .. أول مجاهد في بحر الخليج
نقلا عن تراثنا – العدد 5
تواصل مع تراثنا