من دفتر الذكريات
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
شاهدت في الطريق عمال هيئة الزراعة ، وهم يكربون ” يشذبون ” النخل ، ويقطعون سعفه ، وقد تكوم من السعف الجاف الشيء الكثير ،فقلت الله أكبر هكذا يُرمي ؟ وقد كان يوم من الأيام وقودنا في كويت الماضي ، الذي يشتريه المواطنون من الفرضة ، التي تجلب إليها البضائع من البصرة وإيران وغيرهما .
-
كان سعف النخل يُخزن في أحواش البيوت واقفاً مسنداً إلى الحائط ، وكلما احتاجوا منه ، استلوا منه جريدة .
-
” يا شين السعف على البعارين ” من الأمثال الكويتية الرائجة التي ضُربت للمفارقة بين خفة السعف وطول قامة البعير .
هذا كان بوتغاز ( موقد الطبخ ) السكان آنذاك ، يُطبخ عليه ، وكانت البيوت تشتري الحزم الكبيرة منه ، وتخزنه في الأحواش واقفاً ، مسنداً إلى الحائط ، وكلما احتاجوا سلوا جريدة منه ، وهكذا حتى ينتهي .
أما وقود أهل البادية ، فهو العرفج ، وكان يُنقل من البادية إلى ساحة الصفاة ، داخل الكويت ، ويُحمل على الجمال للاستخدام في الرحلات الطويلة ، داخل الكويت وخارجها ، كما كان يستخدمه المعتمدون البريطانيون في الكويت في رحلاتهم الطويلة ، مثلما استخدمه المعتمد البريطاني هاملتون عام 1917 م ، في رحلته الشهيرة إلى الرياض والقصيم في المملكة العربية السعودية .
يقول المؤرخ حمد السعيدان (2/739 ) السعف هو جريد النخل مع الخوص ، قيل للعود أنه جريد ، وقيل للورق خوص ، وعندما يجف السعف يتُخذ وقوداً ، أو يُجلب مجففاً بواسطة السفن من البصرة ، ويسميه البدو والقريوين ، عسيباً ، الجمع عسبان ، وهي تسمية عربية فصيحة .
ومن الأقوال الكويتية ” يا شين السعف على البعارين ” لأن السعف خفيف أولاً ، ولأن للجمل قامة طويلة ثانياً ، والسعف جمع سفعة ، وفي السعفة أربع مواد : خوص وشوك وكافود وكرب .
لقد حبانا الله تعالى بنعم كثيرة ، ووسع علينا في الرزق ، وادخل علينا الكثير من المرفهات ، التي لم تكن موجودة عند كثير منا في الأربعينيات والخمسينيات ، بل لم يرها أجدادنا ، بل كثير من الشعوب العربية والإسلامية يستخدم السعف وقوداً ، ويعيش اليوم مثل تلك الحقب التي عشناها .
وذلك لأسباب الفقر ، أو تسلط الزعماء الطغاة على المال وحرمان شعوبهم منها ، لقد اعادتني السعفة إلى تلك الإيام التي لا يمكن أن تُنسى أو تُمحى من الذاكرة ، مهما تقادمت الأيام وتغيرت أحوال معايشنا ، فالذي ليس له أول ، ليس له تالٍ .
والله المستعان .
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق
ومجلة تراثنا
-نُشر في الزميلة القبس في 4 من يونيو عام 2011 م .