من كتاب (أرض النخيل) – الحلقة (4)
الكويت في منظار الرحالة الهندي كرستجي في رحلته للمنطقة (1916-1917)
تراثنا – التحرير :
في رحلة توثيقية قام بها الرحالة الهندي سي . أم . كرستجي إبان الحرب العالمية الأولى شملت موانيء عدة في الخليج العربي ،أنطلقت من بومباي إلى البصرة والعودة إليها (1916-1917م)، ونزل خلالها في الكويت في زمن الشيخ جابر المبارك وأخيه سالم ، وكتب مشاهداته عنها في كتابه (ارض النخيل) تقتبس تراثنا بعضا منه .
الرحالة كرستجي :
-
قصر الحاكم لا يتميز بطابع مهيب، رحب وواسع ، وله شرفات جميلة ، وله سلم خشبي خال من الزخرفة متخلخل ..لا يليق بالقصر !
-
الحراس والعساكر كانوا ينظرون لنا شزراً بعيون مرعبة ، وهم أشبه بفرسان صلاح الدين الذين صدوا الصليبيين وفرق الأعتقال التابعين ل ” حسن الصبَّاح” !
-
كان حرس الحاكم مدججين بتشكيلة متنوعة من الأسلحة ، كالبنادق بأنواعها الحديثة والقديمة، والمسدسات بمختلف أنواعها كافية لملء ترسانة صغيرة أو لتمثيل مسرحية حربية شرقية !
-
حاكم الكويت استقبلنا بحفاوة في قاعة تغص بأعضاء مجلس الدولة،ومعظمهم من الكهول “الوقورين المبجلين ذوي النفوذ” ووعد بالختام بزيارة الهند قريباً.
في الحلقة الرابعة ، يسرد الرحالة كرستجي قيامه مع وفد برفقة عبداللطيف المدير ” يرحمه الله ” بزيارة الحاكم آنذاك – يرجح أن يكون الشيخ جابر بن مبارك الصباح تبعا لتاريخ الأحداث- حيث اسهب – كعادة الرحالة – في وصف الاماكن والشخوص والملابس والمباني وغيرها من مظاهر، والتي لا تخلو من الأسقاطات الثقافية والعقدية لدى الكاتب.
زيارتنا لشيخ الكويت
يقول كرستجي : بعد أن أرسلنا مقدماً إشعاراً بقدومنا ، سرنا على أقدامنا مرة أخرى ، في طريقنا نحو قصر الحاكم ، وهو عبارة عن مبنى ملتوي ، يتكون من عدة وحدات إنشائية ، ويمتد فوق مساحة واسعة من الأرض.
وإذا كان هذا المبني لا يتميز بطابع مهيب فهو يتميز بالتأكيد بمنظر رائع ولربما يتميز أيضا بكونه رحباً فسيحاً ومريحاً ، كما يبدو جميلاً من خلال شرفاته العديدة ، وسطوحه المنبسطة ، والمنظر العام الشامل الممتد إلى بعيد ، الذي يحيط به من كل جانب .
وبعد أن صعدنا فوق سلم خشبي خال من الزخرفة ومتخلخل إلى حد ما ، لا يتلاءم إطلاقاً مع وجوده في قصر ، دخلنا غرفة واسعة للانتظار ، مجاورة لقاعة مجلس الشيخ ، ولغرف المعيشة .
حراس الشيخ وعساكره
كانت الغرفة مزدحمة بثلة متنوعة من اتباع الشيخ وحرسه الشخصي ، كما يقف خارجها الحراس والعساكر الذين كانوا ينظرون إلينا شرزاً بعيون مرعبة ، تواقة للقتال ، كما كانوا مدججين بتشكيلة متنوعة من الأسلحة ، كالبنادق بأنواعها الحديثة والقديمة ، والمسدسات بمختلف أنواعها ،و السيوف الطويلة ، والصوارم المعقوفة ،والسكاكين القاطعة ، والنصال الحادة ،و الخناجر ، والحراب ،والرماح، وجميع هذه الأسلحة كافية لملء ترسانة صغيرة أو لتمثيل مسرحية حربية شرقية !ّ
ويرتدي هؤلاء الرجال” البرنس” (1) والعباءات الطويلة المتهدلة البيضاء والسوداء والبنية والمخططة او المتعددة الألوان ، ويضعون على رؤوسهم الكوفيات المتدلية فوق أكتافهم ، ويلتف حولها حبال بيضاء او عقال صنع من شعر الجمال .
فهذه النخبة من العساكر ، تبدو مرعبة ومنفرة وملائمة تماماً لأداء الخدع الحربية والقيام بأعمال السلب والنهب وارتكاب أعمال القتل !!
وبعض هؤلاء الرجلا يقفون في هيأة عسكرية ، وبعضهم الآخر يجلسون أو يستلقون على الأرض ، يثرثرون ويدخنون ، ويغفون كما يحلو لهم .
فرسان صلاح الدين
وبإمكان المرء أن يتصور أن هؤلاء العساكر يشبهون أولئك الفرسان الضواري أتباع الأمير صلاح الدين ، الذين دحروا وصدوا الهجمات المتعاقبة للصليبيين أو يشبهون رسل القتل وفرق الاعتقال التابعين ل “حسن الصبَّاح ” الذي كان أسمه يثير الرعب في جميع أنحاء فارس وسورية وفلسطين ..!!ّ
غرفة الشيخ
وبعد أن مررنا عبر هذه النماذج من العساكر العرب ، الذين كانوا يتفرسون فينا ملياً ، تم إرشادنا نحو غرفة المجلس حيث قام صديقنا السيد عبداللطيف بتقديمنا إلى حاكم الكويت ، فالغرفة التي يتداول فيها الشيخ الرأي حول شؤون الدولة مع أعضاء مجلسه عبارة عن قاعة واسعة رحبة ، ذات سقف مرتفع مزخرف على نحو غريب ، بنقوش مذهبة مربعة الشكل ، وقد أقيمت في صدر الغرفة التي تطل على المرفأ منصة وُضع عليها كرسي كبير مُذهب .
طالع الحلقة (3) :
إفطار أوروبي في بيت عبداللطيف العبدالجليل بمطلع القرن ال20 !
ويصطف على جانبي القاعة عدد من الأرائك والمقاعد ، كما فرشت أرضية الغرفة بالسجاد الفاخر ، وعلقت على الجدار عند المدخل صورة ملونة زيتية لصاحب الجلالة الملك الأمبراطور جورج الخامس .
حفاوة الاستقبال
وكان الشيخ أو حاكم الكويت الذي يحمل وسام فارس امبراطورية الهند من الدرجة الأولى جالساَ على كرسي الحكم فوق المنصة ، وقد استقبلنا بحفاوة بالغة ، ووقف مصافحاً لنا بيده ، وأجلسنا إلى جانبه الأسر على مقربة دانية من المنصة ، وهو رجل في الخمسين من عمره تقريبا أو أكثر من ذلك بقليل ، ألا أنه يبدو دون سنه الحقيقية ، إذ يتمتع بمظهر حسن ، وتبدو سيماؤه كئيبة إلا إنها تفصح عن ذكاء خارق .
وهو لا يتحدث الأنكليزية أو الهندية ، لذا فقد كانت وسيلة التخاطب بيننا معطلة ، وكانت القاعة غاصة بأعضاء مجلس الدولة ،و معظمهم من الكهول ” الوقورين المبجلين ذوي النفوذ ” أحدهم سبق له أن زار بومباي ، وهو يتحدث الهندية تقريباً ، وبمساعدته ومساعدة ترجماننا السيد عبداللطيف ، تبادلنا مع سموه محادثة قصيرة عادية ، دارت حول سفرنا وصحتنا ، وحول الطقس ، وحول بعض المواضيع الأخرى العابرة .
وقد قال لنا الشيخ أنه يعتزم زيارة بومباي عما قريب ، وقد تطوعنا بالطبع بتقديم خدماتنا إليه لكي نجعله نجعله يشعر بالراحة أثناء زيارته لنا ، وبعد تقديم القهوة ، أستأذنا بالانصراف(3) .
هامش :
1- تعقيب : البرنس : غطاء الرأس جزءا منه متصلا به .
2- تعقيب: “حسن الصَّباح : ( ت 1124) أسس فرقة سرية عرفت باسم (الحشاشين ) ، وكان زعيما لها ، اتخذت من قلعة ( ألموت ) الواقعة بجبال البرز في بلاد فارس قاعدة لها ، عمدت إلى إغتيال المناوئين لها .
3- نعقيب: توفي الشيخ الذي قابلناه بعد فترة قصيرة من زيارتنا له ، والشيخ الحالي هو شقيق الحاكم المتوفي ( المؤلف ) ..
ملاحظة : من المرجح أن الشيخ الذي قابله المؤلف أثناء زيارته في ديسمبر 1916 م ، هو الشيخ جابر بن مبارك الصباح ، الذي حكم الكويت من عام 1915 حتي وفاته في فبراير 1917 م ، عن عمر يناهز الأربعة والأربعين عاما ، وخلفه أخوه الشيخ سالم بن مبارك الصباح” يرحمهما الله ” .
يتبع لاحقاً ..
نقلا عن تراثنا العدد 82
” أضغط على الغلاف للمزيد“