• Post published:07/12/2024

 

 

دراسة تأصيلية اصطلاحية  – الحلقة ( 5) والأخيرة

مفهوم الإرهاب من منظور إسلامي

 

الحرب العالمية الثانية
الحرب العالمية الثانية

تراثنا – د . رفيق حسن الحليمي :

 

لا أحد ينكر أن هناك تحولات متسارعة في المواقف الدولية ، تركت آثارها على كثير من المفاهيم والقيم والمعطيات والاتجاهات التي أصبحت بأمس الحاجة إلى شرح ، بل وأكثر من ذلك إلى تحديد دقيق لمدلولاتها ، وإلى اتفاق مشترك عليها من قبل إفراد الأسرة  الدولية.

 

في السطور التالية ، يستكمل د .رفيق حسن الحليمي – يرحمه الله – دراسة تنشرها تراثنا  على حلقات ، وفي هذه الحلقة يتناول الكاتب بالشرح كيف يكون الاستعداد للحرب بحد ذاته مانعا للحرب ورادعا له ، إذ يقول :

 

د . رفيق حسن الحليمي
د . رفيق حسن الحليمي

الاستعداد للحرب يمنع الحرب

فرض الإسلام القتال على المسلمين في ظروف معينية معروفة ، وذلك بعد أن أُثخرجوا من ديارهم وأُذوا .. و الإسلام ندد بالحروب ، ولم يرض أن تكون هي الوسيلة الوحيدة للتعايش بين الشعوب ، يقول الله تعالي (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ) 64  – المائدة ، ولكن الحرب إذا فرضت من قبل الخصوم ، فماذا يكون الموقف منها ؟ أيستسلم أم يحارب ، ويقاتل دفاعاً عن نفسه وأرضه وعرضه ؟ لن يكون الموقف إلا كما عبَّر عن الشاعر بقول :

 

 إذا لم يكن إلا المنية مركباً

فما حيلة المضطر إلا ركوبها

 

 

التسلح للردع

 

وهناك نظريقة حربية ظهرت بين الجربين العالميتين ، وترددت كثيراً على ألسنة العسكريين ، وبخاصة في المعسكرين الشرقي والغربي ، عندما دخل مرحلة التسلح النووي ، وهي أن الاستعداد للحرب يبعد شبح الحرب ، وبغض النظر عما يحدث من أسرار التسلح وخفاياه والصدق والنيات لنزعه ، فإن هذه ا لنظرية عملت بها دول كثيرة ، وما زالت تعمل بها في العلن كثيراً ، وفي الخفاء أكثر .

 

التاريخ و المعارك
التاريخ و المعارك

 

 

أعدوا ما استطعتم من قوة

 

ومن الواضح أن الإسلام سبق أصحاب هذه النظرية بزمن طويل ، عندما قرر ضرورة الاستعداد للحرب لا للحرب ، ولكن لمنع الحروب ، وفي ذلك يقول الله تعالى ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) 60 الانفال .

 

فالاستعداد للحرب – كما جاء في نص الآية – يعمل على(إرهاب) الخصوم وتخويفهم وترويعهم وردعهم عما تسول لهم به نفوسهم من شرور ، وقد أطلق عليهم القرآن : (عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ، كما يعمل على ردع من لا نعلمهم من المنافقين ، وأصحاب الدسائس والفتن ، فإذا ما ارتدعوا وخافوا كفوا عن الحرب وامتنعوا عن القتال .

 

 

الإزمات والحروب خلفت إجيال يطبق عليها الجهل وإلأمية
الإزمات والحروب خلفت إجيال يطبق عليها الجهل وإلأمية

 

ليس الإرهاب في سياق هذه الآية هدفاً لذاته ، أو غاية يسعى إليها الإسلام وهو الذي يحارب الإرهاب ، إلا بمقدار ما يمكن أن يحققه ذلك من ردع لأولئك الأشرار والأعداء ، الذين يتربصون الدوائر ، وينصبون المكائد ، ولن يقفوا عند حدودهم ويرتدعوا إلا إذا رأو القوة والاستعداد والعدة والعتاد الكافي للردع .

 

الجنوح للسلم لمن ولماذا ؟

 

ولكي يتضح هذا المعنى ، ينبغي ألا تأخذ هذه الاية بمعزل عن آية جاءت بعدها مباشرة ، وتتصل بموضوعها ،وهي قوله تعالي (وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) 61 – الأنفال، فالجنوح إلى السلم – كما يبدو في أسلوب الشرط في الآية – يبدأ منهم ، (الخصوم والآعداء) ، وقد جعله الله منوطاً بهم ، ومقيداً بإرادتهم ورغبتهم ، ولتقريب هذا المغزى العجيب نضرب له مثلاً بقولنا :(إن تزرني ، أزرك) فهذا أسلوب شرط كسابقه ، وبناء عليه تصبج زياتي له (للمخاطب) مقيدة بزياته لي أولاً ، فإذا قام بها ، قمت من بعده بزيارته ،وهذا يوضح أن موقف الأعداء أو الطرف الآخر هو الذي يحدد موقفنا منه ، إذ ان الأمر بيده (فإذا جنحوا للسلم) معنا ، فما علينا إلا ( أن نجنح لها) بعدهم ، وهذا يعني يقيناً أننا لسنا دعاة حرب ولا دعاة قتال ، وهذا ما يعنيه المثل السابق أنني لست من دعاة القطيعة ، لأن مفتاح الزيارة بيد (الأخر) وكذلك مفتاح القطيعة .

 

جيوش الإسلام في حروب الفتوحات
جيوش الإسلام في حروب الفتوحات

وقد اقتضت حكمة الخالق في هذا التركيب البليغ البديع ، إذ جعل فعل الشرط لهم (للخصوم) ، وجعل جواب الشرط لنا (للمسلمين) ، والجواب عادة يحدده السؤال ، وكم يكون المعنى غريباً عجيباً مستهجناً ، لو جاء التركيب معكوساً مثل : (وإن جنح المسلمون للسلم فأجنحوا أيها الكفار لها) ، فيكون فعل الشرط لنا وجوابه لهم !

 

فائدة

 

حينئذ يكون إبداء حسن النية في جنوحنا للسلم غير ملزم لهم ، وكيف يمكن أن تلزمهم بالسلم وهم كافرون مارقون يكيدون للإسلام والمسلمين ؟ لن يكون ذلك إلا بشيء واحد ، جاء في الآية السابقة ، وهو الإعداد الجيَّد للحرب ، وهذا يؤكد ما ذهبنا إليه ، وهو أن دلالة (الإرهاب) في هذه الأية ليست مقصودة لذاتها ، وإنما يقصد بها إبعاد شبح الحرب عن طريق إخافتهم منها، ومن ثم يكون الإذعان للسلم من جانبهم ، لأن جنوحهم للسلم يكون ملزماً للمسلمين ، فهو أمر رباني صادر عن الخالق ، أمر به نبيه ، ومن ثم ينسحب الأمر على المسلمين من بعده .

 

ولعل في هذه الوقفة مع هذه الآية رداً على من يزعمون أن الإسلام دين إرهاب من خلال كلمة وردت في هذا الآية ،وهي (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ) ، لكن الطرف الآخر – كما نعلم جميعاً – هو الأكثر استعداداً للحرب ، وهو الأكثر عدة وعتاداً ، فلماذا يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره ، إليس في ذلك ما يدعو إلى الغرابة والدهشة ، والفزع والخوف ” اليس ذلك هو ” الإرهاب” بعينه ؟ (انتهى)

 

 

طالع الحلقة السابقة :

وصايا حقوق الإنسان في الإسلام تفوقت على المنطمات الدولية

 

 

مراجع  البحث :

1– اللسان (رهب) ، القاموس المحيط .

2- تفسير النسفي : ج 4 ص 242 -243 .

3-(Terror) . Castle DIC  .

4-تفسير النسفي: ج4 ص 378.

5- د .أحمد عبالعزيز المزيني ، تطبيق الشريعة الإسلامية ودرء الإرهاب ، ص40 مجلة الوعي الإسلامي 

عدد 434 ديسمبر 2011 م.

6- فيليب نوبل بيكر ، سباق التسلح : ص 9 ، ترجمة : حمدي حافظ (د ، ت) .

 

نقلا عن تراثنا – العدد23 

أنقر للتفاصيل

 

غلاف مجلة تراثنا ،العدد 23 صدر بتاريخ ( صفر 1423هـ - ابريل - مايو 2002)

 

احصل على النص كاملاً 

هواتف مركز المخطوطات والتراث والوثائق - الكويت

تواصل مع تراثنا

 

 

اترك تعليقاً