انتقاءات من كتاب ( في بلاد اللؤلؤ ) الحلقة 3
سياحة بين سطور من ماضي الكويت بعين شامية
تراثنا – التحرير :
يعود بنا الكاتب السوري والمحامي فيصل العظمة” يرحمه الله ” إلى انطباعاته عن كويت عام 1942 م ، التي دونها في كتابه ( في بلاد اللؤلؤ ) ، وكان قد قِدم إليها تطوعاً براتب زهيد للعمل مدرساً مع زميلين آخرين لعام واحد في بلاد غربة في رأس الخليج، لا يجمعها بها إلإ الإسلام وعروبة اللسان والهوى .
العظمة في ذكرياته
-
فيلكة أعظم جزر الكويت وأكثرها سكانا وولي العهد الشيخ عبدالله السالم يحبها ويقيم فيها كثيراً لهدوئها وجمالها .
-
هدد لفيف من الأساتذة والطلاب بإلغاء رحلتهم إلى الجزيرة إذا لم أذهب معهم فاستجبت لاسيما بوجود خروف أُعد للذبح .
-
أنزل الطلاب الخروف إلى اليابسة وهم يتضاحكون وكأنما أنزلوا حملة عسكرية تحت جنح الظلام ويتغنون بسامرية (يا هَلْ الشرق) !
يعرج المؤلف في كتابه إلى وصف رحلة قام بها مع لفيف من الأساتذة والطلبة إلى جزيرة فيلكا ، وتنتقى تراثنا منها بعض المفتطفات الطريفة والمُلح، وما فيها من أدب الرحلة ، وتدوين لوضع الجزيرة والرحلة عامة في عام 1942 م.
يقول العظمة – يرحمه الله : “ فيلكة أعطم جزر الكويت من حيث القيمة ، وأكثرها سكاناً وأجملها منظراً ، وتلفظ الكاف شينا – على حد تعيره – سُميت فيلكة لأنها تشبه فلكه المغزل ، فصدتها ذات مساء بالزورق البخاري مع لفيف من المعلمين والطلبة ، الذين أصروا عليَّ بمرافقتهم ، وهددوا بإلغاء الرحلة إذا لم أذهب .فلم أجد بداً من استجابة نداء التلامذة الأطهار ( خصوصا ) (1) وأن الزورق واقف بالفرضة يتعالى منه غثاء خروف صغير أُعد للذبح “.
ويستعيد الكاتب ذكرياته المعبقة بروح ادبية شاعرية فيقول : “كان المد في اقصاه هادئاً كأنه صفحة من الزئبق ، وما فيه أية تجعيدة ، ولم أر البحر أهدأ منه في ذلك اليوم .. انطلق بنا الملاح والشمس الأصيل ترسل أشعتها الفضية على البحر الساجي اللطيف ، فتترك عموداً من نور يمتد من الشاطيء البعيد في الغرب إلى اللانهاية في الشرق في البحر .. “.
ويسترسل في تغزله بالشمس والبحر ونسائمه ، حتى يقول : وبعد نصف ساعة .. بينما كان الزورق يهدر ، وأصوات التلامذت ترتفع بغناء سامرية :
يا هل ( أهل ) الشرق مروا بي على القيصرية (حي في الكويت ) ..
عضدوا إلي وتلقون الأجر والثواب ..
واطلبوا دختر ( طبيب ) المشاق يكشف عليَّ ..
كود ( يمكن ) يمسح على جرحي ويبرأ صوابي (2) ..
وعند وصوله إلى الجزيرة مع لفيف الأساتذة و الطلبة يوضح : وبعد ساعتين من بدء الليل ، لاحت لنا من بعيد أضواء فيلكة ، فصاح التلامذة ( بينت فيلشة ) (3) ، وبعد نصف ساعة وصلنا ، ورسا الزورق على بُعد بضعة أمتار من الشاطيء ، ودفع لنا ( الهوري ) وهو زورق صغير ، نقلنا واحداً واحداً إلى الجزيرة ، وبينما خاض بعض التلامذة في الماء رافعين “دشداشاتهم ” أي أثوابهم ، وعلت ضحكاتهم وأصواتهم حينما أُنزل (الخاروف) (4) إلى اليابسة كأنما أنزلوا حملة عسكرية تحت جنح الظلام .
*طالع الحلقة (الثانية ) : الكويت بلد شحيحة الماء وامطارها القوية تهدم بيوتها الطينية !
ويعود مجدداً إلى تدفقه الوجداني ، ويطنب في وصف مشاعره الفياضة قبالة روعة جمال المشهد بقوله : ” وقفت على ساحل الجزيرة الرملي الناعم في الليل الهاديء أنظر الى البحر الساكن الذي لا حد له . والذي تنعكس عليه نجوم السماء المتلألئة .. ” .
جزيرة نظيفة هادئة
ويعود إلى ارض الحدث ، فيحدثنا قائلا : وفي اليوم التالي قمت وتجولت (بالجزيرة ) (5) ، عدة ساعات ، والجزيرة تبعد عن مدينة الكويت 25 كم إلى الشرق ، وتبلغ مساحتها نحو 50 كيلاً مربعاً ، وعدد سكانها يقارب الألفين ، يقيمون في قرية نظيفة بسيطة هادئة ، بيوتها من الطين ، ومعظمهم من العرب ، يشتغل بصيد السمك واستخراج اللؤلؤ والزراعة .
ويضيف : ويُزرع في الجزيرة (اليزر ) أي الجزر ، وهي مشهورة به ، والقمح ،وتسقى المزارع من الآبار بطريقة الشادوف ، وتتصل فيلكة بمدينة الكويت بالزوارق البخارية والشراع ، وفيها جامع و (عدة )مساجد ، وفيها مدرسة أولية حسنة ، وحوطات (6) فيها قليل من نخيل وسدر ، وفي الجزيرة آبار حلوة ، وولي العهد الشيخ عبدالله السالم ( يرحمه الله ) يحب هذه الجزيرة ،ويقيم فيها في كثير من أوقاته ، لجمالها وهدوئها .
يتبع لاحقا ..
هامش :
1- من العامي المستعمل ، وصوابه : ولاسيما .
2 – القيصرية ليست حياً ، بل هي بناء قديم أعد ليكون سوقاً عامة كبيرة .
3- الصواب ( فيلجة ) وليس بالشين حسب اللهجة الكويتية ، وهذه هي الكشكشة العربية التي تقلب الكاف جيماً ، ممزوجة بشيء من الشين ، وليس شيناً .
4- الخروف ، وجمعه خراف .
5 – الصواب : ومساجد عدة
6 -الحوطة هي الأرض المحاطة بجدران وتقابل البساتين عندنا .
أحلي الايام يذكرها الوالدين والارحام بجزيرة فيلچا من الهدوء والتلاحم والتعاطف والتمسك بالمساجد وتواصل الارحام بسجيه تعبديه بعيدا عن الضوضاء ويذكرون الزراعه وتصديرها للكويت والصيد كذلك رحم الله من مات منهم وأطال بأعمار الاحياء على الطاعه