الحلقة (8) والأخيرة
وقفات مع الجغرافية التاريخية للكويت
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني*:
اخترت دراسة د ، محمد رشيد الفيل ( الجغرافية التاريخية للكويت ) لعرضها على القراء والباحثين لدقة التفصيل ، حيث يتكلم على أمور تاريخية من الكويت القديمة التي كان التركيز عليها في دراسته ، وهي المناطق القديمة ،وتشمل حي الوسط ، وحي الشرق والقبلة ، ثم أخيرا حي المرقاب ،وقد تم نشرها في حلقات عدة متتابعة ، وهذه الحلقة الثامنة والأخيرة من الدراسة .
-
ساعد تثمين البيوت (استملاكها) من قبل الدولة في تطوير مدينة الكويت وتحسين حالة المواطنين .
-
أول من عَمَّر مناطق الدسمة أهالي سكان شرق..والشامية والشويخ من أهالي سكان القبلة .
-
التثمين ساعد بعض المواطنين الذين لا يملكون بيوتاً لديون عليهم أو لرهنها عند النوخذة أو التجار !
-
لم تلاقِ فكرة الانتقال من البيوت القديمة واحياءها عند المواطنين استحساناً وقبولاً في البداية .
-
انتقل اصحاب المنطقة الواحدة او الحي الواحد في المدينة بصورة عامة إلى حي جديد موحد .
إنتقال سكان العاصمة إلى المناطق الجديدة
استسلمت المدينة القديمة لضغط التوسع ، فهدمت الجدران (الأسوار) وأقيم مكانها حزام أخضر ، كما بدأت الحكومة باستملاك الممتلكات (المسقفات والأراضي) داخل المدينة لتحويلها إلى مناطق عامة (1) .
وقد ساعد التثمين على قيام السكان ببناء دور تتناسب مع التطور الاقتصادي للكويت ، مع وجود مواطني كُثر لم تكن عندهم بيوت مستملكة ،وذلك لديون عليهم اضطرتهم لبيع بيوتهم ، أو لأنها مرهونة لأحد النواخذة أو التجار ، أو لأنهم لا يملكون المبالغ التي يشترون بها البيوت ، أو لأسباب أخرى لا نعلمها ، منها أنهم كانوا يملكون بيوتاً في مناطق أخرى خارج السور ، مثل القرى والجزر ، لأن عملهم كان في داخل السور .
الشاهد ، أن من ثُمنت(استملكت) الحكومة بيته ، استطاع أن يبني له قسيمة ( فيلا ) في المناطق الجديدة ، مثل العديلية والفيحاء وكيفان وغيرها ، ومن لم يستطع على ذلك ، اعطته الحكومة بيتاً حكومياً في المناطق نفسها جاهز البناء .
تقسيم المواطنين إلى فئات
الفئة الأولى :
هم الذين ثُمنت بيوت سكنهم الخاص بعد التاريخ 1/1/ 1957 م ، لوقوعهم ضمن مشاريع التنظيم بالذين منعوا بعد ذلك التاريخ ، من بناء المساكن الخاصة بهم على أراض يملكونها لوقوعها ضمن مشاريع التنظيم ، ويملكن بيوتا مشتركة الملكية .
الفئة الثانية :
وهم الذين هُدم منازلهم وعقاراتهم خارج السور ، مثل الشامية والدسمة والدعية التي أنشئت فيها بيوت غير منظمة ودكاكين ، فثُمنت أراضيهم ، وأصبح أصحابها من الفئة الثانية ، وهاتين الفئتين يحق لهما طلب قسائم لكي يبنوا عليها بيوتاً ، تبلغ مساحتها (1000م ) مربع أو (750 م ) مربع .
ولقد تم توزيع القسائم على المستحقين كما يظهر في الجدول التالي :
كشف بعدد القسائم الموزعة في مناطق السكن النموذجية
لو تتبعنا الجدول السابق لوجدنا الملاحظات التالية :
• أن ابناء المنطقة الواحدة أو الحي الواحد انتقلوا بصورة عامة إلى حي جديد موحد .
• في المنطقة رقم (1) تم توزيع 38 قسيمة لأثنين وثلاثين شخصا كلهم من حي القبلة .
• لوحظ أن (4) أشخاص أخذوا على معدل قطعتين وشخص واحد أخذ (3) قطع ، ولعل السبب هو زيادة عدد أفراد الأسرة (2) ، (3) يُلاحظ أن أفراد الأسرة الواحدة يأخذون قسائم متجاورة .
إذ كانت الأسرة في السابق تعيش في دار واحدة ، قد تكون كبيرة أو صغيرة ، حسب عدد افراد الأسرة ويعيشون في الدار سوية ، الآباء والأبناء والأحفاد (4) وبعد أن تم هدم الكويت القديمة ، واعطاء القسائم إلى السكان ، استقل كل فرد من أفراد الأسرة بقسيمة ، ولكنهم بقوا في حي واحد في منطقة واحدة .
لو أمعنا النظر في تصاميم الدور المبنية على هذه القسائم ، لوجدنا أن دور عدة متشابهة ، ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنها تعود إلى أبناء أسرة واحدة .
وهكذا اخدت المناطق الجديدة بالانتشار والنمو ، وكان تعمير المناطق خارج السور بدأ من المناطق القريبة من المدينة .
واول المناطق التي عمرت هي الشامية والشويخ إلى الغرب من المدينة ، والدسمة هم من سكان الشرق ، بينما نجد أن أول من عمر الشامية والشويخ هم من سكان القبلة .
وهنا لا بد من ذكر الملاحظات التالية ، وهي أن فكرة نقل السكان من احيائهم القديمة إلى الأحياء الجديدة لم تكن تلقى استحسانا من قبل الشعب على الأقل في المراحل الأولى .
وكان نمو المناطق الجديدة متتابعاً كما يبدو ذلك في الجدول ، و يلاحظ من اتجاه التوسع أن هنالك مناطق لم يتم توزيعها وبناؤها إلا في عام 1965م ، بالرغم من قربها من المدينة النواة ، ويرجع ذلك إلى وجود مطار الكويت المدني في هذه المنطقة ، ومن ثم تحويله إلى مطار عسكري ، ولم يتم تقسيمها إلا بعد نقل المطار العسكري ، وتشمل هذه البقعة النزهة وعبدالله السالم (5).
خاتمة البحث
هكذا تجد في هذا الانتقاء والاختصار مع صغر حجم الرسالة وقلة ورقاتها قد أتينا بها على كثير من مظاهر الحياة وأماكنها والمشهور من الأشياء آنذاك ، وذكر الأسر القديمة التي مازال عقبيها أو التي انقطع عقبها ، فكانت نسياً منسياً.
د . محمد رشيد رضا الفيل ، كما ذكرت في دراسته هذه قد خدم الكويت وتاريخها وأهلها ، وقد بكر في تدوين الحقائق والمواقع والشخصيات قد يعجر من يأت بعده اليوم في استجلائها بالصورة التي قام بها ( إلا ما سقط سهوا ) بكل أمانة وعلمية ، أو كما قال هو نفسه :” الجغرافية التاريخية موضوع حديث في معالجته ، قديم في موضوعه ..وأن الجغرافية الحاضرة تكتسب عمقاً ومعني بالرجوع إلى جغرافية الماضي ، وهي تشمل دراسة البيئة على إنها مسكن للإنسان أو المسرح الذي يلعب عليه ، ودوره في الحياة ،وتمثل عليه الحوادث التاريخية في الماضي والحاضرة والمستقبل “.
ولقد قمت بالتعليق على بعض مسائله ، وزدت عليه ، والبحث يحتمل أكثر في التعليق والزيادة ، ولا سيما كتاب د .الفيل ، وقد أُلف قبل عام 1985 م ، وقد صدرت الكثير من الدراسات والبحوث التي يحتاج إليها بحث د .الفيل الى الزيادة والإضافة .
ولقد اعرضت عن ذكر كثير من أبواب الباب مع قيمتها وندرتها العلمية ، لأنها ليست من مطالبي المحدودة من الكتاب ، وهي التدليل على أمور في التاريخ لم تعد تُذكر ، وشخصيات لها حضورها ، أهل عليها التراب قصداً أو جهلاً ، وهذه سنن حياة البشر منذ خلقوا ، يتعاملون فيما بينهم إذا تنافسوا فيما بينهم وفق المنظورين ، الحسد والجهل ..
والله الموفق ..
(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .
للمزيد طالع : حلقات سابقة
هامش
*رئيس التحرير
1- د . الفيل ص 607 .
2- د الفيل ث 610 ، 611 الملاحظ أن جميع من أخذ القسائم قد بقي في مكانه فيما عدا فهد عبداللطيف الحميضي (رقم 30 ) وقد انتقل إلى منطقة كيفان .
3- د. الفيل ص 612 .
4- قلت : بل الإخوان وزوجاتهم و أولادهم في البيت الواحد الكبير يسمي بيت الحمولة .
5- د . الفيل ص 613 .
تواصل مع تراثنا
الشاعر عبدالله الحبيتر .
وفي النصف الثاني من الخمسينيات انتقل إلى منطقة خيطان ، بعد تثمين منزله في المرقاب ، وقد حزن على هدم البيوت والأحياء القديمة وتشرد سكانها في مناطق وشوارع حديثة ، حيث افتقد جيرانه القدامى وافتقد حياة التعاون بين الأهالي في الأحياء القديمة فأنشد يقول فيها :
الشوارع والهلالي فرقت كل الأهالي
وين جيراني وخالي طلعوهم عن فريجي
المنازل هدموها والأهالي طلعوها
بالقرايا نزلوها وابعدوهم عن طريجي
وين راشد مع عياله اللي نشرب من دلاله
شارع الهلالي شاله طلعوا حتى العويجي
يا ملا شفنا العجايب طلعوا عجوز وشايب
وابعدوا عنه القرايب لا صديج ولا رفيجي
راح يبكي عقب بيته ليت ما طلع يا ليته
كسر قلبي يوم جيته يشتكي لي مستضيجي
جارهم ما يعرفونه لا يجي ولا يجونه
لا طلع بحلق عيونه بس مع بابه يويجي
المهندس شين خشه غشنا الله يغشه
جعله يسكن وسط عشه لا نشوفه بالفريجي
يا جماعه واعذابي يوم أشوفه عند بابي
قمت أعض إيدي بنابي نشف إلساني وريجي
وين أروح وين أولي كان بيتي ما حصل لي
ما أقدر أسكن في حولي صرت أنا مثل الغريجي
بيت بالخارج أذيه رايح وجاي بربيه
تشتقي روحه وجيه عند عيالك ما تليجي
تشكر تراثنا تفاعل د . ابراهيم الشرقاوي مع المقال بهذه الأبيات المعبرة التي تعكس واقع الانتقال من بيئة داخل السور الى المناطق الجديدة ..