الحلقة السادسة (الأخيرة)
مقتطفات من مجلة تراثنا
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * :
في حلقتنا السادسة والأخيرة ، نختتم سلسلة حلقات عنيت بتوثيق الروايات المتعددة حول أحداث معركة الرقة التي وقعت عام (1198 هجري – 1783 م) بين أهل الكويت و بني كعب .
-
في أعقاب موقعة الرقة مع بني كعب مُنعت بنات أسرة الصباح من الزواج خارجها حتى وإن كان ذلك من أبناء الملوك والوجهاء أو الأشراف .
-
الشيخة مريم اخت الحاكم عند اقتراب اسطول العدو طافت بمراكز الدفاع وخيام البدو تشجعهم على المواجهة ممتطية فرسا ومسلحة بغدارة .
-
ابن عم مريم تسلل مع جماعة من الشجعان بشكل صيادي الأسماك وقتلوا حراس العدو المعسكرين في بوبيان وحملوا الغنائم وقدموها لأبنة الحاكم !
-
الكويتيون ينزلون بسفنهم الصغيرة إلى البحر واشتبكوا مع اسطول العدو فهبت عاصفة شديدة شتت شمله ودمرت نصفه وألحقت بهم هزيمة نكراء.
نقل ديكسون المعتمد البريطاني بالكويت في كتابه (الكويت وجاراتها) روايتين سمعهما من حاكم الكويت الأسبق الشيخ عبدالله السالم الصباح بشأن وقائع معركة الرقة ، استعرضنا الرواية الأولى في الحلقة السابقة ،وفي هذه الحلقة نأتي على ذكر الرواية الثانية التي لم يستحسنها الشيخ..!
الرواية الثانية
يقول ديكسون : وهناك قصة اخرى أيضا لا يستحسنها سمو الشيخ عبدالله السالم – يرحمه الله – وهي أنه عندما اشتد خطر بني كعب ، وبعد أن تراجع آل خليفة إلى الجنوب ، جمع الشيخ عبدالله (بن صباح) شيوخ أسرته (1) ، جميعهم واستحلفهم على عتبة بيته أن يقفوا بثبات دفاعاً عن ابنته وعن شرف آل صباح ، ففعلوا ولذلك سموا ببني عتبة أو العتوب (2) .
دور مريم في المعركة
ويُقال أنه عندما أقترب أسطول العدو ، أخذت مريم الجميلة تطوف على مراكز الدفاع على المدينة وتشجع البدو في خيامهم ، وهي ممتطية فرساً ومسلحة بغدارة ورمح .
سالم بن محمد الصباح
وسنذكر في مكان آخر من هذا الكتاب (3) ، كيف أن ابن عم مريم ، سالم بن محمد الصباح ، ومعه جماعة من الشجعان تسللوا إلى الأسطول المنتشر في عرض البحر إلى الجنوب من جزيرة بوبيان ، في هدوء الليل ، متخفين بشكل صيادي الأسماك ، وقتلوا الحراس إلى آخر رجل ، وكتفوا بقية الملاحين على الصواري ، وحملوا الغنائم إلى الكويت وقدموها إلى مريم .
النصر الأول الذي سبق المعركة
وغني عن القول انه بعد هذا النصر الأولي الذي ألهمته مريم بحماسة المتوقد ، جعل سالم ينظم أهل الكويت ، رغم نصيحة الشيخ عبدالله ، ليثنوا هجوماً بزوراقهم الصغيرة على أسطول بني كعب ، فنزلوا إلى البحر واشتبكوا مع سفن بني كعب واضطروا إلى فرار مخز ، وأسرعت في إنزال هذه الهزيمة الشنعاء ببني كعب عاصفة شديدة شتت شمل الاسطول ودمرت نصفه(4).
يقول والدي نقلاً عن عيسي الرشود بأن هياكل هذه السفن سُجبت إلى الساحل ، ووُضعت بمكان قصر السيف الحالي،وأن مدافعها الضخمة والثقيلة نُشرت على الساحل ، وجُعلت أوتاداً يربط بها الكويتيون سفنهم خاصة حبل البري ، وأن أهل الكويت قد صنعوا من ألواح هذه السفن ومعداتها أكثر من عشرين سفينة للغوص ، وأن الخشب الذي الذي أُحترق وأكلته النار قد طغى على ساحل الكويت ، وأخذ الناس يستعملونه للتدفئة لأكثر من ثلاث سنين .وأما على مستوى الناس والشعب ، فقد عيدوا شهراً كاملاً ، تُدق الطبوب كل عصر ، ويحدون ويعرضون .
وأما الكويتي (بوشلاخ) الذي عكس رسالة الأمير .. فقد أكرمه الناس ووقروه لحصافة رأيه وحسن تدبيره ، كما أصبح له حضوره لدى الأمير لرأيه السديد وشجاعته ، وعاش حياته معززا مكرما (5) .
منع الزواج من خارج الأسرة
ومنذ ذلك الوقت حتى اليوم ،لم يُسمح لشيخة (6) من آل صباح ان تتزوج رجلاً من خارج أسرتها (7)، حتى وأن كان من البيت السعودي العظيم ، أو من شرفاء مكة ، أو من شيوخ آل سعدون النبلاء الذين يتوارثون المشيخة على المنتفق العظيم في العراق ، ولا تزال عبارة النخوة في الكويت إلى اليوم (8) ” أنا أخو مريم ” و ” أولاد سالم ” (6) .
تعليق واستدراك
د . الشيباني : وهاتان روايتان عن المعركة ذكرهما ديكسون في كتابه هذا غير معروفتين عند كثير من الباحثين، أو قُل قليلة الذكر !
ولا يعني ذلك أنهم لايعلمون عن الكتاب وما ورد فيه من حوادث نادرة وعزيزة لا تجدها في كتب المؤرخين الكويتيين ، ولكن لا أدري ما هي الأسباب التي منعتهم من ذكرها ، مع أن د . فتوح الخترش قد ذكرتهما في ترجمتها للكتاب ، وهي ترجمة أخرى غير ترجمة جاسم مبارك الجاسم ، فقد أثبتت رواية الشيخ عبدالله السالم الصباح – يرحمه الله – في حديثه لديكسون (7).
المؤلف ديكسون هنا نقل عن الشيخ عبدالله السالم الروايتين والمترجم جاسم المبارك الجاسم نقلهما كما كانتا في الكتاب النادر ، هذا في روايتي ديكسون وأنهما تختلفان تمام الاختلاف عن روايات المؤرخين الكويتيين وغيرهم !!
الخاتمة
وأختتم هذه الدراسة التوثيقية بالقول أن تواريخ البلدان وشعوبها لا تُكتب عن عاطفة أو بالتزوير أو بالإرغام أو بمسابقة من حاز على مناصب عليا في الدولة أو من خلال إلغاء التالي للجيل الأول ، إنما تُكتب حسب الوثائق الموجودة لدى الأهالي التي تُثبت المشاركة أو التضحية أو الوجود في الدولة أو في البقعة أي بقعة ، أو في جزيرة ، شريطة ان تكون هذه الوثائق مُوثقة من خلال الحكام آنذاك ، وهم القضاء من الذين سجلوا من خلال الأهالي ملكياتهم أو إسهاماتهم في الأعمال المتنوعة حتى عرفها الأقرب و الأبعد وعرف أصحاب المحال التجارية نوع تجاراتهم ومن أين تأتي وكيف تصدر .
وقد أطلعت خلال الأربعين سنة الماضية على كثير من الوثائق والجرائد والكتب القديمة والمخطوطات .. و ألتقيت كثيراً من الرجال الصادقين و الموثوقين والكذابين والمزورين والمدعين إنتماء قبائلهم ،وطوائفهم ، أو أفراد أسرهم إلى التاريخ الكويتي ومشاركتهم حروبها التي وقعت ، فكان كذبهم وتزويرهم علامة كالشمس في رابعة النهار .
تاريح الكويت أكثر التواريخ الخليجية الذي عبث به بسهولة من خلال المؤلفات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية والأذاعية ، وقد عملت جهدي طيلة تلك السنين أن أرد حسب الوسع والطاقة والجهد والعلم كثير مما زُور، ومازلت بفضل الله وعونه وتوفيقه على ذلك .
والله المستعان .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا
هامش :
1- الأصل عائلته ، والمعلوم أن العتوب حلف وليس قبيلة كما أوضح الشيخ عبدالله السالم الصباح هنا ، وفي سائر كتب التاريخ .
2-الأصل بني عتوب : وهناك وقفة : وأن استحسنا هذه الرواية التي ذكرها ديكسون على لسان الشيخ عبدالله السالم فإن هجرة آل خليفة بعد هذه الحادثة خير لهم بل للكويت والخليج العربي وإلا حلت محلهم دولة فارس آنذاك .
3- الكويت وجاراتها : 1 /9 .
4-الكويت وجاراتها :10/1 .
5- وهذه الرواية أيدها الأستاذ محمد سليمان المغامس نقلا عن والده رحمهما الله .
6- الأصل الأميرة .
7- الأصل عائلتها .
8- أعوام الخمسينيات وما تلاها .
9- الكويت ورجالاتها 1 / 10 .
10- الكويت وجاراتها ص 25.
طالع الحلقة الخامسة :
هجرات آل صباح والعتوب وغزو بنو كعب للكويت – الحلقة الخامسة
نقلا عن تراثنا العدد 85
أنقر الغلاف لتفاصيل العدد
تواصل مع تراثنا