الحلقة الثالثة
أحمد عبدالله المبارك المطوع
تراثنا – التحرير :
يطل د . راشد عبدالله الفرحان “وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية الأسبق ” على متابعينا عبر زاوية “ تراثيات د .الفرحان ” الزاخرة بالمعلومات القيمة ، نستلها من كتبه وبحوثه ، ومما خصنا به من قديمه المتجدد،لأثراء نهم أصحاب البحوث المهتمة بالشأن التاريخي والتراثي.
وفي هذا السياق ، تستعرض تراثنا على موقعها الإلكتروني الحلقة (الثالثة) من سلسلة حلقات كتابه النادر ( الشيخ أحمد المبارك المطوع ) الذي طُبع في نيودلهي (الهند) طبعة وحيدة .
الشيخ أحمد عبدالله المبارك
-
قدم إلى الفحيحيل ولم يعلن عن نفسه، واشتغل في مزارعها وأمهم في الصلاة بصوت شجي فأحبوه واتخذوه أماماً.
-
رفض أهل الفحيحيل عودته إلى البحرين لأهله فزوجوه منهم واحضر أهله ليستقروا معه.
-
أحب حياة البساطة وعفوية الناس في أهل الفحيحيل وعاداتهم البدوية الأصيلة التي وافقت هواه .
-
ابتعد عن صراع مدرستي المتنورين بزعامة المؤرخ الرشيد والقناعي والتقليديين بزعامة أحمد الفارسي والعلجي .
-
صرف على مدرسته الأهلية التي يعلم بها الطلاب من ناتج الخضار والطماطم والبصل والثوم مما ينتجه الأهالي .
اختار الشيخ أحمد المبارك الفحيحيل ، التي تبعد عن الكويت مسيرة يوم وليلة سيراً على الأقدام ، في ذلك الوقت ، حيث لا توجد سيارات ولا وسائل الموصلات ، ويذكر صهره الشيخ الأديب محمد الشيبة أنه أول ما قدم قرية الفحيحيل ، لم يعرف الناس بشخصه ، وأراد أن يكسب رزقه من كده ، فقصد أهل المزارع ، واشتغل عند بعضهم ، ولما وجبت صلاة المغرب صلى بهم أماماً ، فقرأ بهم أحسن ما يكون ، بلحن شجي خاشع ، ثم عقب الصلاة حدثهم ووعظهم ، ولما وجبت صلاة العشاء فعل مثل ذلك .
اتخذوه اماماً
فتعجب المزارعون من علمه وورعه ، فأخبروا بعضهم البعض ، فصاروا يصلون وراءه كل صلاة عشاء ، ويستمعون لوعظه ، فاتخذوا من تلك المزرعة مسجداً لهم ، والشيخ إماما عندهم .
ولما أراد أن يرجع إلى البحرين ، حيث أهله وأولاده ، قالوا له نزوجك عندنا ولا تذهب ، فما كان من الشيخ إلا أن استجاب لمطلبهم ، وتزوج منهم ، ثم ذهب وأحضر زوجته الأولى ،وعاد بأهله إلى الفحيحيل ، إماماً ومدرساً ،وشيخاً عرفه الناس ، فقدروه واحترموه .
وافقت البداوة هواه
استقر بقرية الفحيحيل حيث الهواء والهدوء ،وبساطة العيش ، وعفوية الناس ، وعاداتهم البدوية العربية الأصيلة ، التي وافقت هواه ، وناسبت طبيعته ، فلم يشأ أن يقحم نفسه في تلك الخلافات التي تجعل النشأ يتوه فيها ، بين الفريقين بعيداً عن المدينة ، نأئياً بنفسه عن خلافات العلماء ، العلمية والسياسية والحزبية ، حيث دب الخلاف في ذلك الوقت بين مدرسة المتنورين بزعامة الشيخ المؤرخ عبدالعزيز الرشيد ، والشيخ يوسف القناعي ، وبين مدرسة التقليد والجمود على الماضي ، بزعامة الشيخ أحمد الفارسي والشيخ عبدالعزيز العلجي الإحسائي ، رحم الله الجميع .
ابتعد عن الصراعات
نأي الشيخ عنهم بالفحيحيل ، بعد أن أطلع على ما شجر بينهم حتى وصل بهم الخلاف إلى الحاكم ، وكان الشيخ أحمد حكيماً ، هادئاً ، لا يريد أن يزعج أحداً ، ولا يميل مع حزب دون حزب ، ولا يفضل مدرسة على أخرى ، فانكب على التدريس بمدرسته الخاصة ، في بيته الذي يسكنه بما لديه من جهد وعلم .
الصداقة والمحبة
لكنه كان يراقب كل شيء ويسمع كل شيء ، ولا يقول في احد شيئاً كعادته مع أهل قريته ، وتلاميذه ، و أولياء أمور تلاميذه ، يعاملهم بالمحبة والصداقة والعلم ولا يخوض في الخلاف ،ولا يحب الترجيح والتعقيب على العلماء .
ظل يدرس في المدرسة وحيداً حتى أوائل الخمسينات ، اللهم إلا ان يعاونه بعض التلاميذ الكبار ، أو أحد من أصهاره ، أو ابنائه الصغار ، ظل المدرس الوحيد حتي بناء مدرسة الفحيحيل الحديثة ، التي أشرفت عليها إدارة المعارف ، وعينت لها مدرسين وأجرت لهم رواتب ، وذلك إبان بدء تصدير الكويت للنفط القليل .
لقد كانت مواعيد الدراسة في تلك المدرسة الأهلية ، الوحيدة في الفحيحيل ، التي تولاها الشيخ أحمد بنفسه ، من طلوع الشمس إلى صلاة الظهر تقريباً الساعة الثانية عشر .
العلاوة خضرة وبصل !
أما النفقات والرواتب والعلاوات ، والصرف على المدرسة ، فكانت عبارة عن بعض المواد الغذائية كالأرز والعدس والتمر والحبوب وبعض الخضروات مما ينتجه أهل المنطقة ، مثل الخيار والطماطم والبصل والثوم .
وبعض الأقمشة التي تقدم من قبل التجار لبعض التلاميذ الفقراء ، وذلك سيرة حسنة وتعاون أهل الكويت لبعضهم ، ولم يكن كل اولياء الأمور يدفعون ما على اولادهم من التزامات ، وبخاصة في موسم الغوص في البحر على اللؤلؤ حين يكون المحصول قليلاً، فكان لا يرد أحداً عن مدرسته ، ويعلم كل من يقصده ، بل إنه كان يعطي بعض التلاميذ من ماله الخاص ، أو ما يحصل عليه في الموسم ، التي يؤدي فيها أولياء أمور الطلبة ما عليهم .
تلاميذه تجار ورجال أعمال
درس الشيخ أحمد المبارك العديد من التلاميذ الذين استغنوا بتدريسه وعلمه عن التعليم النظامي ، فأصبحوا تجار ماهرين ، ورجال أعمال موفقين في أعمالهم ، والذين واصلوا دراستهم النظامية الثانوية والجامعية ، كان لهم ما تلقوه أساساً يعتمدون عليه في دراستهم ،وعلمهم وحياتهم ، لا يزال ذلك التعليم باقياً ، في أذهانهم لا ينسوه أبداً .
ومن الأسر المعروفة بالفحيحيل الذين درس أبناءهم الدبوس والعدواني والعجيل ،والرفاعي ، والعجمان ، والعتبان ، والعوازم ، وغيرهم..
يتبع لاحقاً ..
تواصل مع تراثنا