من أنفاس التاريخ
البدوي والحضري والقروي أمتزجت دمائهم في دحر العدوان عن الكويت
تراثنا – التحرير :
للبحر عبيقه وأنفاسه ، ذكريات لا تنسى للبلدان المطلة على ضفافه ، رغم مظاهر الحضارة الكونكريتية التي تناطح عنان السحاب ، تبقى بصمات البحارة والنواخذة والطواويش والغواويص تخط آثارها بعمق في الوجدان الكويتي الشعبي .
من بين اصدارات مركز المخطوطات والتراث والوثائق التي تعيد مجد تلك الذكريات كتاب “ اخبار صبيان البحر والنواخذة والنقع ” لرئيس المركز ورئيس التحرير د . محمد بن إبراهيم الشيباني .
يُعد الكتاب الإصدار الثالث ضمن سلسلة إصدارات قسم الأرشيف الصحفي في المركز ، ويقع في 66 صفحة من الحجم الوسط ، وتزدان صفحاته بصور توثيقية لشخصيات ومواقع واحداث طوتها الصفحات .
د . الشيباني يؤكد
-
صبيان البحر أشهروا أسم أمارة الكويت الصغيرة دولياً بجولات عبرت سفنهم أعالي البحار للتجارة .
-
توثيق المؤرخين الكويتيين وسيف الشملان النقع و أصحابها في كتاباتهم حالت دون أي مجال للتزوير .
-
امتلاك النقعة في المجتمع الكويتي القديم دلالة على غنى صاحبها ووجاهته وامتلاكه عشرات السفن .
-
أمتلك الشيخ احمد بن عبدالله بن عبدالجليل نقعة فيها أكثر من 30 سفينة تجول بحار العالم .
النقعة
وجرياً على عادة تراثنا ، نتوقف عند بعض مقتطفات الكتاب المنتقاة بغرض أمتاع القارئ من جهة ، ولمن عنده اهتمام باقتنائه لأغراض البحث ، أو أضافته إلى مجموعته من الكتب التاريخية والتراثية من جهة أخرى.
تحت هذا العنوان يشرح دلالة النقعة في المجتمع الكويتي والخليجي وما تعنيه عندهم حيث يوضح المؤلف د . الشيباني ذلك بالقول : النقعة بالعامية تعني ( الحوض الجاف ) ومرسى السفن لصد الأمواج بسور من الصخور البحرية ، وتستخدم لإصلاح وتنظيف السفن في حالات الجزر .
وجاهة ومكانة
أما عن دلالاتها المجتمعية فيقول : من كان يملك نقعة تجاه بيته أو متجره آنذاك ، دل ذلك على ملكه للمال ، ويعني المال هنا في كويت ما بعد 1166 هجرية ( 1752 م ) حتي 1370 هجرية ( 1950 م ) او اكثر قليلاً ملك السفن الشراعية “السفارة ” المحلية .
السفن السَّفارة
ويمضي إلى القول : السفن ” السفارة ” هي التي تجوب الموانئ العالمية ، وتقطع المحيطات مثل المحيط الهندي ، ولا أعني هنا أن تجار الكويت امتلكوا في الماضي السفينة الواحد او الاثنتين أو الثلاث ، بل العشرات من السفن ، فعلى سبيل المثال لا الحصر كانت أسرة القاضي الثاني للكويت وهو الشيخ أحمد بن عبدالله بن عبدالجليل التميمي ( 1722 – 1756 م ) أمتلك أكثر من ثلاثين سفينة بين سفارة ، تشكل اسطولاً يجوب موانئ العالم ، ومحلية تستخدم للغوص والشحن بين الموانئ القريبة مثل البصرة لجلب التمور وغيرها .
لا تزييف
وأعتبر د.الشيباني ما قام به المؤرخ سيف بن الشملان في كتابه ( الالعاب الشعبية )وغيره من المؤرخين من توثيق مواقع النقع واسماء اصحابها في القديم والحديث، جعل من الصعوبة أدخال أي تزييف عليها أو تجاوز ذلك التوثيق مهما دارت عليها الأزمنة.
ذهب صبيان البحر
تحت هذا العنوان يشيد المؤلف بدور الرجال العظام الذين رفعوا رايات الكويت عبر مئات السنين ، ورفعوا شأن اقتصادها وشهرته عالمياً ، عندما كانوا يجوبون موانئ العالم وسواحله لنقل البضائع هنا وهناك ( القطاعة ) مشيرا إلى أنهم أشهروا هذه الامارة الصغيرة في عصورها المختلفة من تاريخ الكويت من عام 1752 م ، حتي نهاية السفن الشراعية والبخارية في نهاية الخمسينيات .
ويبدى انبهاره بصمود المواطن الكويتي ( الحضري والبدوي والقروي ) في حروب الكويت المشهورة التي شهدتها عبر تاريخها ،و تعاضدهم لدحر العدوان ،وما شهدته تلك الأحداث من ملاحم دونها التاريخ بدماء الشهداء الزكية ” رحمهم الله ً” .
وقال : عاشوا فقراء في بيوت حكومية يطرقون باب بنك التسليف كل فترة واخرى ، ليرمموا بيوتهم الصغيرة ..
ديوان العجيل
ويسترجع المؤلف ذكرياته في الصغر مستذكراً انتقاله من حي القبلة ( فريح أضبية ) إلى كيفان عام 1958 ، ويقول : رأيت ربع الوالد وخلانه ( صبيان البحر ) متوافدين في ديوانية بوصالح العجيل ( يرحمه الله ) وحديثهم عن البحر وأهواله ، كانت الديوانية تعج بهم صيفاً وشتاءً ، ينوف عددهم على المئة ،وكان الواحد منهم يمثل وحده قصة كاملة ، ملأي بالذكريات ..
سرد سلس جميل
وتطوف صفحات الكتاب بالقارئ في أسلوب سرد جميل ، وتنقلاته السلسة ، بين الاحداث عبر عناوين عديدة ، كل منها هو توثيق لحقبة زمانية ومكانية معينة ، تعبر عن ثقافة صاغت هذا المجتمع بتميزه وتفرده عن غيره ، رغم اشتراكه مع جيرانه في ذات القيم والدين ، ولكن لكل خصوصيته التي تميزه .
أبواب متعددة
من العناوين التي تطوف بالقارئ بين عوالم الماضي ، يتحدث المؤلف عن رهن البيوت ، وآلن فليرز والنجدي ، وجيل الرواد ، والهاشمي ، مهلب الشامخ ، والبحر الهندي ، والبنادر التي دخلها الربان احمد بن ماجد ..وغيرها .