الحلقة (19)
تراثنا – التحرير :
في الحلقة التاسعة عشر، تواصل تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية*) لمؤلفه : محمد بن علي إبن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) مقدماً نصائحه ومشورته لمن في عهده من الملوك والأمراء بما يُعينهم في سياسة أمورالرعية على اختلاف طبقاتهم وأصنافهم .
القتل أنفى للقتل
ويتوقف المؤلف ابن طباطبا في السطور اللاحقة عند إسراف بعض الحكام في القتل دون التثبت (1)، فيقول : وها هنا مزلة ، ربما وقع فيها أفاضل الملوك ،وهي أن بعض الملوك ربما كان معجباً بنفسه ، محباً لأن ينتشر عنه حديث صرامة وشهامة وسياسة قاهرة ، فيستهين بالقتل ، ويسهل عليه أمره ،ويبادر إليه .
وغرضه إثبات الهيبة وإقامة السياسة من غير إلتفات إلى ما في طي ذلك من إزهاق النفس التي حُرمت إلا بالحق .
وهذا من أخطر الأمور على الملك ، والصواب ألا يزال في نفسه كارهاً للقتل ، صادفاً عنه مهما أمكن ، حتى تدعو إليه ضرورة ليس فيها حيلة ، فحينئذ يُقدم عليه بنفس قوية ، وجنان ثابت .
فإن قتل واحد أصلح من تركه حتي يُحتاج إى قتل خمسة ، وقتل خمسة خيرٌ من تركهم ، حتى يدب فسادهم ، حتى تبلغ الحاجة إلى قتل مائة ، ومن أجل ذلك قال الله تعالى : (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ)البقرة-(179) ، وقيل : القتل أنفى للقتل :
وقال الشاعر
بسفك الدّما يا جارتي تُحقنُ الدما
وبالقتل تنجو كل نفسٍ من القتل
وقال المتني
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
وبالقتل تنجو كل نفس من القتل
طالع الحلقة ( 18 ) :
التروي في حد القتل وتجنب التمثيل بالمقتول من سداد الحُكم
درهمك وسيفك
أوصي بعض الحكماء بعض الملوك ، قال : أيها الملك ، إنما هو سيفك ودرهمك ، فازرع بهذا من شكرك ،واحصد بهذا من كفرك .
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال له : يا رسول الله ، أني زنيت فخذ الحدّ مني ،فأعرض عنه رسول الله والتفت إلى يمينه ، فدار الرجل حتى حاذاه ، وأعاد القول ، فأعرض عليه السلام عنه مرة أخرى ، فعاود القول والتمس أخذ الحدّ منه ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إزهاق نفسه ، فقال له كمن يعلمه : لا تكون قد قبلت أو عانقت أو ألممت ولم تفعل ، قال : لا يا رسول الله ، ولكن زنيت ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرجل وأصحابه ، كمن يعلمهم أيضا الاعتذار عنه ، وقال : كأنه متغير في عقله ، قالوا : لا يا رسول الله ما نعرفه إلا هو ، فحينئذ لم يبق للنبي ، صلى الله عليه وسلم حيلة ، فأمر باستيفاء الحدّ منه.
هامش :
1- الفخري ص : 44
كاتب وكتاب
* كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية)، للمؤلف محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) ، يقع في 360 صفحة ، نشر دار الصياد – بيروت ،مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق
يتبع لاحقاً..
تواصل مع تراثنا