وقفات تراثية
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني * : دقة الخط .. من أنواع الاقتدار الغريب في الكتابة ،والتمكن من حشر كلمات كثيرة في حجم صغير ، بحيث لا تُرى بالعين المجردة ، فيصعب إقناع من لا يعرف الحقيقة بحشدها في ذلك الحجم الصغير بوجودها فيه .
اشتهر بإتقان هذا الفن في هذا العصر (1929 م ) الأستاذ نسيب مكارم ، أحد أفضل الخطاطين اللبنانيين ، حتى حاز أعجاب كل من شاهد آثاره في ذلك الفن .. ومكارم هذا هو الذي كتب الدستور العثماني مع قصيدة في مدح السلطان عبدالحميد على ظهر بيضة من المرمر ، وكتب الصلاة الربانية على حبة من الأرز أيضا .
وأخيرا نقش الأبيات الآتية في مدح سمو الشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت ( 21 – 1950 م ) على فص خاتم ذهبي لا يزيد حجمه على حجم الأنتين الفضية ( جزء من الروبية العملة المتداولة قبل الاستقلال في الكويت ) .
قال في الأبيات
أرى الكويت زهت فخرا بأحمدها
آل جابر المرتجى من أل صباح
مولى عزيز الحمى ما أمه رجل
إلا انثنى رافلاً في برد افراح
يلقي العفات بثغر باسم أبداً
من وجوده وجبين منه وضاح
ذو عزة بسقت فوق السهى وعلى
يعنو لها في الثريا كل جحجاح
وهيبة عندما الأبصار قد خشعت
تغنيه عن قضب تنضى وارماح
في صفحة المجد قد خطت مآثره
فما لهن بعون الله من ماحي
هذا ما ذكرته ” مجلة الكويت ” في اعدادها من مارس 1928 م إلى مارس 1930 م ، مع الاختصار والتعديل والزيادة عليها .
السؤال الذي يطرح نفسه : أين هذا الخاتم التحفة الأثرية القيم اليوم ؟ بل قل أين آثار شيوخ الكويت وهدايا الملوك والزعماء والأباطرة لهم منذ تأسيس الكويت الحديثة في عهد الشيخ مبارك الصباح (1896 – 1915 م ) وما بعد هذا التاريخ ؟ لا سيما أن الجهات المختصة اليوم تحاول جمع كل شيء عن تاريخ حكام آل صباح ووضعه في متحف ومركز للوثائق التاريخية ومكتبات وغير ذلك ( انظر القبس العدد 14358 تاريخ 29 مايو 2013 ) .
ومع ما فات وضاع من أشياء وأشياء ، ولكن حسناً فعلوا في هذا العمل ، الذي اظنه ليس سهلاً ، ولكن البناء يبدأ بعزيمة واصرار ، والرحلة تبدأ بخطوة .
والله المستعان ..
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق رئيس التحرير
الصفحة الرئيسية تراثنا
ايميل خدمة تلقي الاخبار التراثية
التعقيبات والمساهمات ضمن بريد القراء