دفاعاً عن السنة النبوية (الحلقة 5)
الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام
تراثنا – التحرير :
تستأنف تراثنا نشر مناقشة العلامة ناصر الدين الألباني – يرحمه الله – آراء جانبها الصواب ، ردت نصوص شرعية صحيحة ثابته من السنة النبوية ، تارة بآراء مذهبية وقياسات عقلية وأخرى بتقديم آراء رجال على نص ثابت من السنة بدعاوي عدة منها أنه آحاد او بخلاف ما عليه العمل ، نقلاً عن رسالة (الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام – للألباني) .
في هذه الحلقة (5) ، يصوب الألباني سهامه نحو دعوى المتكلمين بالتفريق بين العلم والعمل في الاحاديث ، مؤكداً ان التفريق بين الاحاديث المتواترة والآحاد ، من حيث الاعتقاد بالحديث والعمل به قول مبتدع لم يعرفه سلف الأمة ، وفي السطور التالية بيان لما ذهب إليه :
الألباني
-
ابن القيم : وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الاعتقاديات والعمليات والتفريق بينهما باطل بإجماع الأمة وهي بدعة لا يعرفها السلف .
-
المتكلمون الذين لا يعتنون بما جاء عن الله ورسوله هم الذين فرقوا بين الأحاديث وصدوا عن سبيل الكتاب والسنة بقواعد متكلفة.
عدم الاحتجاح بحديث الآحاد في العقيدة
بدعة محدثة
.. وبالجملة ، فأدلة الكتاب والسنة ، وعمل الصحابة ، وأقوال العلماء تدل دلالة قطعية – على ما شرحنا – من وجوب الأخذ بحديث الآحاد في كل أبواب الشريعة ، سواء كان في الاعتقاديات أو العمليات ، وأن التفريق بينهما ، بدعة لا يعرفها السلف ، ولذلك قال العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – (2/ 412) : ” وهذا التفريق باطل بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات والعمليات (يعني العقيدة) ، كما تحتج بها في الطلبيات العمليات ، ولا سيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله بأنه شرع كذا و أوجبه ورضيه ديناً .
فشرعه ودينه راجع إلى اسمائه وصفاته ، ولم تزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة ، يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحد منهم البتة ، أنه جوَّز الاحتجاج في مسائل الأحكام دون الأخبار عن الله وأسمائه وصفاته ، فأين سلف المُفرقين بين البابين ؟!
نعم ، سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة ، ويحيلون على آراء المتكلمين ، وقواعد المتكلفين ، فهم الذين يُعرف عنهم التفريق بين الأمرين …وادعوا الإجماع على هذا التفريق ، ولا يُحفظ ما جعلوه إجماعاً من إمام من أئمة المسلمين ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين ..فنطالبهم بفرق صحيح بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الدين ، وما لا يجوز ، ولا يجدون في الفرق سبيلاً إلا بدعاوِ باطلة .. كقول بعضهم ، الأصوليات هي المسائل العلميات ، والفروعات هي المسائل العملية ، (وهذا تفريق باطل أيضاً ، فإن المطلوب من العمليات (1)أمران : العلم والعمل ، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً ، وهو حب القلب وبغضه ، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبغضه للباطل الذي يخالفها ، قليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع .
فكل مسألة علمية ، فأنه يتبعها أيمان القلب ، وتصديقه وحبه ، وذلك عمل ، بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثير من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ! وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق عمل في القلب ، من حب ما جاء به والرضا به وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تهمل هذا الموضع فإنه مهم جداً ، به تعرف حقيقة الإيمان .
فالمسائل العلمية عملية ، والمسائل العملية علمية ، فإن الشارع لم يكتف من المكلفين في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل” .
فتحرر من كلام ابن القيم رحمه الله تعالى أن التفريق المذكور مع كونه باطلاً بالإجماع لمخالفته ما جرى عليه السلف ، وتظاهر الأدلة المتقدمة على مخالفته ، فهو باطل أيضاً من جهة تصور المُفرقين عدم وجوب اقتران العلم بالعمل ، والعمل بالعلم ، وهذه نقطة هامة جداً تساعد المؤمن عل تفهم الموضوع جيداً ، والإيمان ببطلان المذكور يقيناً .
هامش :
1– الأصل : والمطلوب منها أمران ، ولعل ما اثبتناه أقرب إلى الصواب .
يتبع لاحقا : إفادة كثير من أخبار الآحاد العلم واليقين .
طالع الحلقة الرابعة :
أدلة حجية حديث الأحاد في العقائد والأحكام لدى سلف الأمة
كاتب وكتاب
مقتبس من كتاب (الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام) رسالة للعلامة محدث الشام الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – يرحمه الله – تقع في 68 صفحة (الحجم الصغير)، انتقاء من مكتبة الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد الأهلية -يرحمه الله ، مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق (الكويت) .
تواصل مع تراثنا