التروي في حد القتل وتجنب التمثيل بالمقتول من سداد الحُكم

الحلقة (18)

تراثنا – التحرير 

في الحلقة الثامنة عشر، تواصل تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية*) لمؤلفه : محمد بن علي إبن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) مقدماً نصائحه ومشورته لمن في عهده من الملوك والأمراء بما يُعينهم في سياسة أمورالرعية على اختلاف طبقاتهم وأصنافهم .

إياكم والمُثلة

في ص(42) من الكتاب ، يحذر إبن طباطبا الملوك والحكام من التعجل في إنفاذ حكم حد ” القصاص ” والتروي فيه ، وتجنب المُثلة ، فيقول :

ويجب على الملك أن ينظر في أمر القتل وإزهاق النفس ، فيعلم أنه الحادث الذي لا حياة للحيوان بعده في الدنيا ، وأنه لو اجتهد أهل الأرض كلهم على إعادته إلى الحياة لم يقدروا على ذلك .

وبحسب هذا الحال يجب أن يكون تثبته في إزهاق النفس وهدم الصورة وتأنيه وترويه حتي تقوم الأدلة على وجوب القتل ،فإذا وجب استعمله على الوضع المعهود ، من غير تأنّق فيه وتنوغ غريب وتمثيل بالمقتول ، ورد عن سيد البشر صلوات الله عليه وسلامه: ” إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور” (1).

ولما ضرب ابن ملجم ، لعنه الله ، علي ابن طالب بالسيف ، قُبض ابن ملجم وحبس حتى ينظر ما يكون من علي رضي الله عنه فجمع ولده وخاصته وقال : يا بني عبدالمطلب لا تجتمعوا من كل صوب تقولون قُتل أمير المؤمنين قُتل أمير المؤمنين ، لا تُمثلوا بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينهي عن المُثلة ولو بالكلب العقور ،وانظروا إذا انا مت من ضربتي هذه ، فاضربوا الرجل ضربة بضربة .

طالع الحلقة 17 :

عندما يكون الملك طبيباً معالجاً ومؤدباً لرعيته ! 

من فوائد التأني والتثبت

ومن فوائد التأني والتثبت في القتل الأمْنُ من الندم حين لا يُجدي الندم ، كان أفاضل الملوك والخلقاء يستعملون هذه الخصلة كثيراً ، فلا يُسرعون إلى قتل رجل معروف مشهور خوفاً من أن يحتاجوا إليه بعد ذلك ، فيتعذر عليهم ، بل كانوا يحبسونه في غوامض دورهم ، ويقيمون له كل ما يحتاج إليه من أطعمة شهية وفواكه وثلج وأشربة وفرش وثير !!

ويحملون إليه كتباً يلهو بها، ويقطعون خبره عن الناس حتي يثبت في نفوس أهليه وأصحابه أنه قد هلك ، ثم يُستصفى أمواله وأموال أصحابه ، ويُستخرج ذخائره وودائعه ، ويصيرُ في عداد الموتي ، فلا يزال كذلك حتى تدعوهم الحاجة إليه ، فيخرجوه مكرماً وقد تأدب وتهذب (2).

من لم يؤدبه والداه .. أدبه الليل والنهار

هامش :

1-  إسناده ضعيف معضل -الألباني (ت 1420) إرواء الغليل 76/6.(الباحث الحديثي)

2- عدم إقامة الحد بدعوى المقام العالي والشريف الرفيع مخالف لهدي الإسلام وعدله مع العباد، ففي الرواية : ” أن أمرأة من بني مخزوم سرقت ، فأتي بها النبي صلى الله عليه وسلم ، فعاذت بأم سلمة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ، فقُطعت يدها ) .الألباني ( ت1420) ، صحيح النسائي (4906) صحيح .

كاتب وكتاب

* كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية)، للمؤلف محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) ، يقع في 360 صفحة ،  نشر  دار الصياد – بيروت ،مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق 

يتبع لاحقاً..

تواصل مع تراثنا