خواطر وتأملات
تراثنا – التحرير :
فاض قلم العلامة محب الدين الخطيب – يرحمه الله – بعبارات جياشة من مكنون صدره ، عبر فيها عن حيرته وألمه من تجبر النفس البشرية وقسوتها على بني جنسها في كلمات تملؤها الحسرة ، فكان ما قاله حري به أن يقال كذلك في أيامنا هذه !
آه ، حتى م يظل الحق غريباً في معاهدك أيتها الجمعية البشرية ؟ إلى م تبقى التقية – كالجندي الجاهل العنيد – مسيطرة على الصلاح بين افرادك ؟
ولماذا يخرج على الصدق أن يخرج بموكبه وتاجه في هذا العالم كما يحب جلاله ؟ متى يا ترى تنشط هذه الحقية من عقالها الأزلي ، وهل من أماني هذه الأرض أن ترى كهربائية الصلاح مضيئة في افاقها قبل أن تسوّد الشمس ؟
آه ، ما أوحش الإنسان وما أقسأه ، يضم بين ضلوعه عواطف ملؤها الحنان والحب والحقيقة والفضيلة والعدل ،وضميراً بين هو معيار الأنصاف في هذه الحياة ؟
وشعوراً هو السيَال الأثيري الذي ملأ ذرات كل شيء ، نعم لقد ضم بين ضلوعه هذه المزايا الفاضلة ، وهو ربها وهو بها العالم الأصغر والنسخة الكبرى لهذه الكائنات ،ولكن أين هذه القوى الملكية ؟ أليست معه يوم يفعل فضائع الشيطان ، أما هي بين ضلوعه عندما يقدم على الشر والباطل ؟
أجل ،هي لا تزال فيه ، ولكنها يا للأسف والخسران قد صدأت تولتها رطوبة البعد عن الحق وسطا عليها غبار الرذيلة ..
كم وكم أبهذا الصلاح يبسم العالم الإنساني القاتم بريق ضئيل من ذبالتك المعرضة لجميع الأهواء، من كل الأنحاء فأريد أن أتبعها ، فلا أجدني إلا بين الأشواك ، في جانب هوة مدهشة ، يظهر منها التنين وجهنم والغول وكل خيالات الوهم ومخوفات الباطل .
وكم وكم أبهذي الحقيقة عادت عواطفي وكل شعوري على إخائك ، على الصدق لك وعلى إهداء حياتي العزيزة عليّ إليك ، نعم إليك فقط ، إليك وحدك ، فيضطرني هذا الوسط الأسود إلى جناية لا محيص عنها ، فافعلها وأنا شاعر باحتياج روحي إلى البكاء ، فأرجع إلى نفسي ، وأبكي ثم ابكي ثم ابكي ، حتى أوي ظماءي من هذا الاحتياج في حين أني عارف تمام المعرفة أن الجناية البشرية لا تبررها قطرات الدمع .
وكم وكم أبهذا العدل من دمعة قطرات بيني وبين نفسي وبين عيني بعد جناية ، وبعد حادثة مشؤومة ، فذكرت عند ذلك أنني لا أزال إنساناً وحشياً قاسياً في هذه الحياة .
القسطنطينية – 1325 هجري – 1907م.
وقفة ل (رئيس التحرير) : كأن الشيخ محب الدين يناشدنا جميعاً (المجتمع الدولي) اليوم وليس الأمس – رحمه الله ! لم أزد على مقالته أو أنقص .
نقلا عن تراثنا – العدد 90
تواصل مع تراثنا