• Post published:16/03/2025

 

الحلقة الثالثة والأخيرة

المستشرقون والعمارة الإسلامية

 

شارع المعز لدين الفاطمي بالقاهرة والعمارة الأسلامية
شارع المعز لدين الفاطمي بالقاهرة والعمارة الأسلامية

 

تراثنا – عرفة عبده علي * :

 

في الحلقة الثالثة ، نتوقف مع المستشرق الفرنسي والمؤرخ عاشق الآثار المصرية ، إلبرت ريمون AR .dnomha حيث يكشف عن قراءاته في التي تشكلت حصيلتها خبراته الواسعة التي على أساسها بنى عشقه لعمارة الشرق .

 

المؤرخ الفرنسي اندريه ريمون
المؤرخ الفرنسي اندريه ريمون

 

تستكمل تراثنا استعراض دراسة عن المدن الإسلامية العربية التي قضى المؤرخ ريمون حقباً متفاوته متنقلاً بين مدنها في الشرق لرصد هندستها الإسلامية الجمالية ، وفي هذه التقرير يتناول التطورات التي طالت تلك المدن بفعل الحداثة :

 

وأضاف د . ريمون : وبطبيعة الحال فإن اسلامية هذه المدن أدى إلى صنع سماتها وتوجيه تطورها ، وبشكل أوضح من خلال المؤسسات التي تحكمت في تنظيم المدن، ولعبت دوراً حاسماً في تطورها ، وعلى سبيل المثال مؤسسة القضاء ومؤسسة “الحسبة ” التي تشرف على الأسواق والأنشطة الاقتصادية ، وقد اكتسبت هذه المدن التي ينتمي غالبية سكانها إلى الإسلام ، هذا الطابع الإسلامي ، يفسر بلا جدال ما يراه الزائر من تماثل حضاري عام بالرغم من وجود اختلافات ثقافية طبيعية .

 

وهذه المدن بسبب خضوعها لتجارب تاريخية متنوعة إلا أن الانسان لا يشعر باغتراب حين ينتقل من مدينة فاس إلى القاهرة أو حلب ، اللتين اختصهما بالعظمة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدليل استحواذهما على إعجاب الرحالة من الغرب إلى درجة الافتتان بجمالهما ، وتنوع انشطتهما الاقتصادية ، وأضاف ريمون : ” بالرغم من كل شيء ، بقيت هذه المدن الكبرى متحفاً رائعاً وحياً للاشكال والمنشآت العمرانية وتطورها بالرغم من – الغارات – التي شنتها الحداثة على الأحياء بتلك المدن !!

 

بيوت دمشق القديمة

 

النافورة في أحد البيوت في دمشق وجمال التصميم الإسلامي في بيوتها
النافورة في أحد البيوت في دمشق وجمال التصميم الإسلامي

وأضاف ريمون : إن لفن العمارة في دمشق خاصة مكانة رفيعة تجلت من خلالها نسيجها العمراني العريق ، وعناصر العمارة الإسلامية في دمشق تأثرت بها روما والبندقية وصقلية والأندلس ، وعمارة بيوت دمشق لها وقعها الخاص على النفس، تتميز بتنوعها وتفاصيلها الدقيقة ..

 

وتصميم بيوت دمشق القديمة تحتفظ بالحرارة شتاء والبرودة صيفاً ، وأرض الحوش يجتمع فيها أهل الدار للقاء والمرح ، وتناول القهوة الصباحية في الحديقة الداخلية ، داخل جدران عتيقة تفوح بعبق التاريخ ، تتوسطه نافورة ، تتدفق منها المياه ، يحيط به غرف واسعة واشجار باسقة ، وعرائش وزخارف غاية في الروعة ، تعتمد عناصر هندسية ونباتية متناظرة ومتناسقة ، مستخدمة في الجدران وأحواض الماء والقاعات ومصاطب الجلوس ،وحتى الزخارف الخشبية منها المستخدمة في كسوة السقوف والحوائط ، مطلية بأجمل الألون وبأنواع من الكتابات والرسومات والخطوط ،المستوحى تفاصيلها من روح الفن الإسلامي .

مقارنة بين الأمس واليوم

 

مما لا شك فين ، أننا بعد أن تنتهي من قراءة هذا الكتاب ، خاصة إذا كنت من سكان هذه المدن التي عرض لتاريخها القديم في العصر العثماني ،ينظرة مقارنة بين ما تشاهده وما جاء في الكتاب ، سنجد المشكلة مجسمة أمام أعيننا ، فالروح الخاصة بهذه المدن كانت موجودة ، حية ، ونابضة ، واليوم هذه الروح تمزقت بسبب عاملين واضحين .

 

 

أحد اسواق حلب التراثية القديمة في تصميمها
أحد اسواق حلب التراثية القديمة في تصميمها

 

الأول : هو ذلك الجانب العشوائي ، الذي تغلغل في اطراف واحشاء عمارة هذه المدن ، المبنية على عجل “سيادة روح الاستهلاك” ، وتحول الانتاج من صيغة الصناعة الحرفية ، إلى صيغة الخدمات التي تأكل الأخضر واليابس من أصل العمل ، وقيمة العمل ،وهو ما يبدو على هيئة أزمة ليس في المسكن فقط ، ولا في التلوث وسائر المشكلات الاجتماعية ، بل في فوضى التخطيط واختفاء روح الانتماء ، بعد أن كان لهذه المدن العريقة قوة بنيانها الداخلي وشخصيتها المتميزة .

 

الثاني : اعتماد النموذج  الغربي الذي اقتصرنا في الأخذ منه على جانب واحد ، هو البناء بالاسمنت المسلح ، دون جوانبه الايجابية الأخرى التي رُوعي فيها كفاءتها وملائمتها لحياة البشر . بالإضافة إلى التشوه الحضاري الذي نعيشه في أبشع صورة .

 

تشوه حضاري يتناقض تماماً مع الشخصية والطابع المميز للمدن الإسلامية في أوج ازدهارها ، يوم أن كان المهندس المسلم لا يغفل عامل الجمال كقيمة في حياة الإنسان وأن الأبداع الجمالي يشكل بعداً أساسياً في الحضارة الإنسانية .

 

 

طالع الحلقة الثانية :

الحداثة وعشوائية التخطيط تدمر مظاهر العمارة الإسلامية

 

 

-والمزيد من التفاصيل يمكن مطالعتها في عدد مجلة تراثنا ..

 

 

نقلا عن تراثنا -العدد 92

 

غلاف مجلة تراثنا - العدد 92- جمادي الآخرة 1446 هجري - ديسمبر 2024 م

 

 

 لاقتناء نسختك 

هواتف مركز المخطوطات والتراث والوثائق - الكويت

تواصل مع تراثنا 

 

اترك تعليقاً