الحلقة الثالثة والأخيرة
المستشرقون والعمارة الإسلامية

تراثنا – عرفة عبده علي * :
في الحلقة الثالثة ، نتوقف مع المستشرق الفرنسي والمؤرخ عاشق الآثار المصرية ، إلبرت ريمون AR .dnomha حيث يكشف عن قراءاته في التي تشكلت حصيلتها خبراته الواسعة التي على أساسها بنى عشقه لعمارة الشرق .

تستكمل تراثنا استعراض دراسة عن المدن الإسلامية العربية التي قضى المؤرخ ريمون حقباً متفاوته متنقلاً بين مدنها في الشرق لرصد هندستها الإسلامية الجمالية ، وفي هذه التقرير يتناول التطورات التي طالت تلك المدن بفعل الحداثة :
وأضاف د . ريمون : وبطبيعة الحال فإن اسلامية هذه المدن أدى إلى صنع سماتها وتوجيه تطورها ، وبشكل أوضح من خلال المؤسسات التي تحكمت في تنظيم المدن، ولعبت دوراً حاسماً في تطورها ، وعلى سبيل المثال مؤسسة القضاء ومؤسسة “الحسبة ” التي تشرف على الأسواق والأنشطة الاقتصادية ، وقد اكتسبت هذه المدن التي ينتمي غالبية سكانها إلى الإسلام ، هذا الطابع الإسلامي ، يفسر بلا جدال ما يراه الزائر من تماثل حضاري عام بالرغم من وجود اختلافات ثقافية طبيعية .
وهذه المدن بسبب خضوعها لتجارب تاريخية متنوعة إلا أن الانسان لا يشعر باغتراب حين ينتقل من مدينة فاس إلى القاهرة أو حلب ، اللتين اختصهما بالعظمة في القرنين السابع عشر والثامن عشر، بدليل استحواذهما على إعجاب الرحالة من الغرب إلى درجة الافتتان بجمالهما ، وتنوع انشطتهما الاقتصادية ، وأضاف ريمون : ” بالرغم من كل شيء ، بقيت هذه المدن الكبرى متحفاً رائعاً وحياً للاشكال والمنشآت العمرانية وتطورها بالرغم من – الغارات – التي شنتها الحداثة على الأحياء بتلك المدن !!
بيوت دمشق القديمة

وأضاف ريمون : إن لفن العمارة في دمشق خاصة مكانة رفيعة تجلت من خلالها نسيجها العمراني العريق ، وعناصر العمارة الإسلامية في دمشق تأثرت بها روما والبندقية وصقلية والأندلس ، وعمارة بيوت دمشق لها وقعها الخاص على النفس، تتميز بتنوعها وتفاصيلها الدقيقة ..
وتصميم بيوت دمشق القديمة تحتفظ بالحرارة شتاء والبرودة صيفاً ، وأرض الحوش يجتمع فيها أهل الدار للقاء والمرح ، وتناول القهوة الصباحية في الحديقة الداخلية ، داخل جدران عتيقة تفوح بعبق التاريخ ، تتوسطه نافورة ، تتدفق منها المياه ، يحيط به غرف واسعة واشجار باسقة ، وعرائش وزخارف غاية في الروعة ، تعتمد عناصر هندسية ونباتية متناظرة ومتناسقة ، مستخدمة في الجدران وأحواض الماء والقاعات ومصاطب الجلوس ،وحتى الزخارف الخشبية منها المستخدمة في كسوة السقوف والحوائط ، مطلية بأجمل الألون وبأنواع من الكتابات والرسومات والخطوط ،المستوحى تفاصيلها من روح الفن الإسلامي .
مقارنة بين الأمس واليوم
مما لا شك فين ، أننا بعد أن تنتهي من قراءة هذا الكتاب ، خاصة إذا كنت من سكان هذه المدن التي عرض لتاريخها القديم في العصر العثماني ،ينظرة مقارنة بين ما تشاهده وما جاء في الكتاب ، سنجد المشكلة مجسمة أمام أعيننا ، فالروح الخاصة بهذه المدن كانت موجودة ، حية ، ونابضة ، واليوم هذه الروح تمزقت بسبب عاملين واضحين .

الأول : هو ذلك الجانب العشوائي ، الذي تغلغل في اطراف واحشاء عمارة هذه المدن ، المبنية على عجل “سيادة روح الاستهلاك” ، وتحول الانتاج من صيغة الصناعة الحرفية ، إلى صيغة الخدمات التي تأكل الأخضر واليابس من أصل العمل ، وقيمة العمل ،وهو ما يبدو على هيئة أزمة ليس في المسكن فقط ، ولا في التلوث وسائر المشكلات الاجتماعية ، بل في فوضى التخطيط واختفاء روح الانتماء ، بعد أن كان لهذه المدن العريقة قوة بنيانها الداخلي وشخصيتها المتميزة .
الثاني : اعتماد النموذج الغربي الذي اقتصرنا في الأخذ منه على جانب واحد ، هو البناء بالاسمنت المسلح ، دون جوانبه الايجابية الأخرى التي رُوعي فيها كفاءتها وملائمتها لحياة البشر . بالإضافة إلى التشوه الحضاري الذي نعيشه في أبشع صورة .
تشوه حضاري يتناقض تماماً مع الشخصية والطابع المميز للمدن الإسلامية في أوج ازدهارها ، يوم أن كان المهندس المسلم لا يغفل عامل الجمال كقيمة في حياة الإنسان وأن الأبداع الجمالي يشكل بعداً أساسياً في الحضارة الإنسانية .
طالع الحلقة الثانية :
الحداثة وعشوائية التخطيط تدمر مظاهر العمارة الإسلامية
-والمزيد من التفاصيل يمكن مطالعتها في عدد مجلة تراثنا ..
نقلا عن تراثنا -العدد 92
لاقتناء نسختك
تواصل مع تراثنا