قال أهل العلم
الحيدة ليست من سبيل المؤمنين إنما سبيل الكفار اتبعوها
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني*:
اليوم كم من البشر الذين يحيدون عن الحق، وكم من إجابات تحيد عن السؤال الحقيقي والمباشر بعد وعي واستيقان النفوس بها، والإجابة عنه بإجابات بعيدة تماماً عن مرمى السؤال، مع علم المسؤول بها، أو عن الحوادث اليومية التي تجري فتقام حجج الله عليهم «أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ * أَوَ لَمْ يَسيِرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ».
مرض الحيدة
فالحائدون يعرفون أن خلق السماوات والأرض خلق محكم لا يأتيه الباطل، لا من بين يديه ولا من خلفه، وأن الله قادر على إهلاكهم كما أهلك الذين من قبلهم، وأن الأيام دول، يوم لهم ويوم عليهم، وقد دالت على أمم من قبلهم فقادرة على أن تدول عليهم، ولكن مرض الحيدة هو البأس الذي تشبثوا به وحسبوا أنه الحق وأنه الجواب، هذه هي أفهامهم وعقولهم ونظرتهم.
فهم محرومون بحيدتهم هذه عن الحق ، بشبههم بأهل المكر والخديعة والجهل، لأن العاقل من يعي هذه الأمور لأنه يتعامل مع الله.
-
الحائدون عن الحق في أمورهم الدنيوية والأخروية يعلمون بأن الذي يتعاملون معه هو الله الذي يعلم السر وأخفى !
في قصة إبراهيم عليه السلام حين قال لقومه «هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ»، أي الأصنام التي أنتم لها عاكفون، قال لهم إبراهيم هذا ليذمهم ويعيب آلهتهم ويسفه أحلامهم، فعرفوا ما أراد بهم، فصاروا بين أمرين: أن يقولوا نعم يسمعوننا حين ندعو، أو ينفعوننا أو يضروننا، فيشهد عليهم بلغة قومهم أنهم كذبوا، أو أن يقولوا لا يسمعوننا حين ندعو ولا ينفعوننا ولا يضروننا فينفون عن آلهتهم القدرة، وعلموا أن الحجة عليهم لإبراهيم، لأنهم بأي القولين أجابوه فهو عليهم، فحادوا عن جوابه واجتلبوا كلاماً من غير ما سألهم عنه، فقالوا «بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ»، فلم يكن هذا جواب مسألته.
عموماً، قال أهل العلم: الحيدة ليست من سبيل المؤمنين إنما سبيل الكفار اتبعوها. يقول الكناني: أما الحيدة في كلام العرب فقول امرئ القيس في المعنى:
تقول وقد مال الغبيط بنا معناً
عقرت بعيري يا امرأ القيس
فأنزل فقلت لها سيري وارخى
زمامه ولا تبعديني عـن خــباك
لم يكن هذا جوابًا لقولها وإنما حاد عن جوابها ،فاجتلب كلاماً غيره فأجاب به.
فهل يعي البعض ممن يحيدون عن الحق في اليوم عشرات المرات ديناً ودنيا إلى عمق ذلك ويعلمون بأن الذي يتعاملون معه هو الله الذي يعلم السر وأخفى ويعلم نجواهم؟
فإن فات على البشر فلم يفت على رب البشر، فليتوبوا إليه فما زالت في أعمارهم فسحة وليتركوا العنتريات فإنها لم تنفع عنتر نفسه.
والله المستعان.
*رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .