سطور من التاريخ الإسلامي المشرف
اعتراف الغرب بفضل اكتشافات علماء العرب والمسلمين على الحضارة المعاصرة
تراثنا – التحرير :
نافورات مياه ترتفع إلى الأعلى ،راسمة أشكال فنية متعددة ،وآليات لتصريف المياه في المغاسل والحمامات ، وخادمة آلية ( روبوت)، وآلات ميكانيكية هيدروليكية مثلت اساس للمحركات والموتورات المعاصرة ..وغيرها من اكتشافات العالم المسلم الجزري في القرن السادس الهجري !!
-
المأمون يدعم اختراعات موسى وابنائه فاخترعوا مئة اختراع منها آلات تمتليء بالماء تلقائياً لخزانات الحمامات ومصابيح لا تطفئها الريح وغيرها .
-
ابن الجزري يضع اساسيات الآلات الميكانيكية والهيدرولوكية أذهلت علماء الغرب وصنع أول روبوت آلي وساعة آلية على شكل فيل ووضع أسس الموتورات العاملة على البخار .
-
المستشرق مارك رتشمان : على عكس الإغريق ، فإن الأمثلة العربية للإنسان الآلي لا تعكس تطوراً مفصلياً في التصميم فحسب ، بل تعكس توجها لاستخدام المواد المتاحة لراحة الإنسان .
-
المؤرخ جورج سارتون : الجزري مهندس وصانع نشيط يدخل في التفاصيل الدقيقة للميكانيك وأهميتها لا تقدر بثمن ، في تاريخ الهندسة في العالم .
إنجازات علمية سابقة لعصرها بقرون ، كانت مقدمات وأساسيات للحضارة الإنسانية ،ننتقيها من مقالة الأديب الكاتب المصري : الطيب أديب ، نشرتها مجلة تراثنا في نسختها الورقية (1) تلقي الضوء على ما بلغة العالم الإسلامي من علوم حضارية .
وعن براعه علماء العرب في اختراع الروافع المبنية على قواعد ميكانيكية لتساعدهم في جر الأثقال ورفع الماء وإنارة المنازل ورصد النجوم والكواكب وغير ذلك ، يوضح الباحث الطيب أديب أن من أشهر المخترعين في هذا المجال موسى بن شاكر وأبنائه الثلاثة ، محمد وأحمد وحسن ، وقد تفرغوا للعلم والتكنولوجية في القرن الثالث للهجرة .
مئة أختراع
ونوه إلى اهتمام الخليفة العباسي المأمون ببني موسى ، اهتماما كبيرا ، إذ وفر لهم كل ما يساعدهم في البحث العلمي ، حتى انجزوا نحو مئة تركيب ميكانيكي ، وصفوها بدقة في كتابهم (حيل بني موسى) وهو أول كتاب يتناول الآلات الميكانية عند المسلمين .
خزانات مياه تتمليء تلقائيا
ومن هذه الآلات الرائعة الرائعة خزانات الحمامات ، واجهزة تعطي كمية من السوائل على فترات زمنية محددة ، وآلات تمتليء تلقائياً بالماء ، كلما فرغت منه ، وزجاجات تعطي قدراً معيناً من الماء عند الطلب.
مصابيح مقاومة الريح
وابتكروا مصابيح للإضاءة ترتفع فيها الفتائل تلقائياً ، ويصب زيتها تلقائياً أيضاً ، ولها القدرة على مواجهة الريح فلا تنطفيء عند تعرضها للريح ، وأما آلات الري فتمكنوا من ابتكار آلات تصدر أصواتاً معينة بصورة تلقائية ،عند ارتفاع مياه الري في الحقول .
آلات فلكية للنجوم
وابتكروا آلات ترسم صوراً متعددة بالمياه المندفعه منها لأعلى ، كما ابتكروا آلات فلكية يصدر منها أصوات موسيقية تعلن غياب نجم معين في قبة السماء ، او ظهور نجم آخر ، إلى حد يثير الدهشة والاعجاب .
ابن الجزري العبقري
ويوضح أن العالم بديع الزمان أبو العز بن إسماعيل بن الرزاز المشهور بالجزري ( نسبة لموطنه) ،نبع في علوم الميكانيكا ، وكان كبير مهندسي البلاط الملكي لحكام ديار بكر من بني ارتق لمدة خمسة وعشرين سنة .
وقدم العالم الجزري في كتابه (الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعية الحيل ) ، شرحاً علمياً مزوداً بالرسوم التوضيحية لأكتشافاته غير المسبوقة ، قدمها إلى الملك ناصر الدين محمود بن قرا ، أحد سلاطين بني أرتق، كتبه سنة 1206 م ، وأنجزه خلال عمل دام خمسا وعشرين عاما من الدراسة والبحث .
موسوعة الأبتكارات
ويُعد هذا الكتاب أروع ما كتب في القرون الوسطي من الآلات الميكانيكية والهيدروليكية ، وعندما وصل الكتاب إلى أوربا ،تمت ترجمته للغة الألمانية الإنجليزية وغيرها .
وقد أبهرت اختراعات الجزري – كما يشير الباحث الطيب – المهندسين والمهتمين بالعلم ، وأشاد علماء من الغرب بعقلية الجزري واعتبروه مهندسا عبقريا سبق عصره .
واثنى عليه الباحث الأنجليزي ” دونالد هيل ” (2) بترجمة كتاب ابو الرزاز الجزري ، إلى اللغة الانجليزية ، وأوضح في دراسته عن مخطوط الكتاب بشروح الجزري في تركيب الآلات فقال : ( لا نملك في عصر ثوة الصناعة الحديثة في أي وثبفة أو حضارة عالمية أفضل من أسلوب وشرح المهندس الجزري في تركيب الآلات ، ويختلف عنا في الغرب العالم والكاتب عن بعضها ، ولكن الجزري كان كاتبا وعالما وميكانيكيا ، أصبحت لنا في العصر الحديث أساس للمحرك أي الموتور العامل على البخار ، وكذلك في التحكم الآلي والميكانيكي ) .
وقد شرح الجزر مخططات لمائة آلية ميكانيكية، وتوضيحات لكيفية صنع كل واحدة منها ، وقام بتصنيف الالات في ستة فئات ، حسب الاستخدام ،وطريقة الصنع ،وكتب عن الساعات والفوارات المائية ، والآلات الرافعة للمائ ، والأثقال ، وغير ذلك .
ويمضي الباحث الأديب موضحا ان الجزري استخدم الماء المتدفق وسيلة لتشغيل آلاته واختراعاته ،وهذا ما ساعد في اختراع عمود الكامات ( عمود الحدبات ) الذ يدور بضغط مكابس المحرك ، فتتولد قوة دافعة للأمام ، فتتحرك الأجزاء اتوماتيكيا كما يحدث في محرك السيارة .
ويضيف : وبعد مئتي عام ، نقل الأوربيون اختراع الجزري حتى توصلوا إلى اختراع المحرك ، فبدأ عصر القطارات البخارية ، والتي كانت العمود الفقري لعصر النهضة والثورة الصناعية الأوروبية ، في القرون الوسطى .
وصمم الجزري مضخة بديعة ذات اسطوانتين متقابلتين تتصلان بأنابيب لسحب الماء ، ودفعها لأعلى على ارتفاع اثني عشر متراً ، واخترع آلية لتصريف المياه في المغاسل والحمامات ، فاخترع حوضاً لغسل اليدين ، وبجانبه آلة على شكل خادمة ،وعندما ينتهي المستخدم من غسل يديه ، يقوم بسحب ذراع بجانب الحوض بماء نظيف ، وهي الآلية المستخدمة في حماماتنا اليوم .
ساعات ادهشت العالم
وأما ساعة الفيل ، يقول الباحث الأديب ، فتعد من بدائع ما صنع الإنسان إلى اليوم ، فهي ساعة على شكل فيل ، تعمل عن طريق نظام ماء متدفع ،مخزن في بطن الفيل ، الذي صنعه بطريقة بديعة ، إذ قام الجزري بتزيينه بطريقة فنية مدهشة ، عن طريق تقسيمه إلى ستة أجزاء ، كل جزء يحمل عناصر ثقافة معينة ، وهي : العربية ، والفرعونية ، والصينية ، والهندية ،والأفريقية ، والأغريقية .
وأدهشت ساعة الفيل علماء الغرب الذين اعتبروها تحفة من تحف هذا الزمان ، ومن أبرع ما اخترع الإنسان ، وصورة متحضرة لما يطلق عليه الآن مفهوم تلاقي الحضارات ، وصنعت نسخ عدة من هذه الساعة الأسطورية .
أول إنسان آلي
وذات مرة ، طلب الملك من ابن الجزري اختراع آلة تغنيه عن الخدم كلما رغب في الوضوء للصلاة ، فصنع آلة على هيأة غلام منتصب القامة وفي يده إبريق ماء ،وفي اليد الأخرى منشفة ، وعلى عمامته يقف طائر ، فإذا حان وقت الصلاة غرد الطائر !
ثم يتقدم الخادم الآلي نحو سيده ، ويصب الماء من الأبريق بمقدار معين ، فإذا انتهي من وضوئه أقبل إليه هذا الغلام ، ليقدم له المنشفة ثم يعود إلى مكانه ويغرد الطائر .
وصنع الجزري أول نسخة بدائية من الألعاب في صورة إنسان آلي (روبوت) ، وتعمل بوظيفة مبرمجة لها مسبقاً ، فقد صنع فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء ، مؤلفة من شخصيات عدة ، كل واحد منها تصدر صوت آلة موسيقية معينة ، وصنع هذه الآلة خصيصا لتسلية ضيوف البلاط الملكي في ديار بكر .
وأشاد بهذه الفرقة الموسيقية المدهشة المستشرق ” مارك إي رتشمان ” في كتابه (تاريخ تطور الإنسان الآلي ) قائلا : “على عكس الإغريق ، فإن الأمثلة العربية للإنسان الآلي لا تعكس تطوراً مفصلياً في التصميم فحسب ، بل تعكس توجها لاستخدام المواد المتاحة لراحة الإنسان “.
وقال عنه المؤرخ الشهير ” جورج سارتون ” في موسوعته تاريخ العلم (3) : “الجزري مهندس وصانع نشيط يدخل في التفاصيل الدقيقة للميكانيك وأهميتها لا تقدر بثمن ، في تاريخ الهندسة في العالم “.
هامش :
(1)نشرت في مجلة تراثنا العدد ثمانون -صادر بتاريخ ديسمبر 2021.
2- كتب المهندس والباحث الانجليزي دونالد هيل بحثا مهما عن مخطوط كتاب الجزري بعنوان ( رسالة شاملة عن بديع الزمان الجزري ) وكتاب آخر بعنوان تاريخ (التكنولوجيا الإسلامية )ونال عنهما جائزة (دكستر ) الدولية لتميز بحثه في مجال التكنولوجيا .
3- موسوعة تاريخ العلم ، جورج سارتون ، ترجمة لفيف من العلماء ، صدرت عن دار المعارف بالقاهرة ، 1991م .