الحلقة الأولى
علامة الجزيرة في سطور
تراثنا – التحرير :
يُعد علامة الجزيرة الأديب السعودي الشيخ حمد الجاسر(1910- 2000م) من كبار الأدباء في المنطقة ، وله مساهمات كبيرة في إحياء تراث الجزيرة العربية وله معجم عن جغرافية السعودية ومؤلفات عدة في التاريخ والسير والمخطوطات وكتب في النسابة ومشاركات في مؤتمرات محلية وخارجية وغيرها.
من أرشيف مركز المخطوطات والتراث والوثائق الصحفي الوثائقي انتقت مجلة تراثنا تقرير هام نشرتها الزميلة القبس الكويتية في ملحقها الصحفي ، تحت عنوان ” شاهد على العصر ” ملفاً كاملاً عن العلامة الراحل بمناسبة وفاته ، ننشر مقتطفات منه ، بدأها بظروف معيشته ، بالحديث عن والده فيقول :
كان أبي من أضعف الفلاحين وأفقرهم ، مع ما كان عليه فلاحو القرى من الضعف والفقر ، فلم يكن يملك من الوسائل التي تمكنه ممارسة هذه المهنة شيئاً ، لا البئر ولا السواني (الدواب التي تنزح الماء من الآبار) ، ولا الأدوات اتي تستعمل لحرث الأرض أو بذرها ، ولا يملك النقود ما يهيئ إعدادها .
ديون والتزامات
فقد أرهقته كثرة الديون بسبب الفلاحة ، التي هي وسيلة حياته ومن يعول من أهله واطفاله ، والعاجز عن الكسب من أقاربه ، لهذا كان إذا أقبل أحد فصلي الزرع – شتاء أو صيفا – يلتجئ مضطراً إلى تاجر ليقدم له من النقود ما يتوقع كفايته بمتطلبات الزرع ، مقابل رهنه لجميع محصوله ، وأولئك الذين كانوا يتعاطون التجارة مع فلاحي القرى على درجة من الجشع بسبب ما يحدث من عدم الوفاء عندما يصاب الفلاح بجانحة تأتي على زرعه ، الذي يتوقف عليه وفاء دينه ، وما أكثر الجوانح ! كالجدب الي يسبب نزوح ماء الآبار ، فيعطش الزرع ، او تصاب الأرض بقحط فلا تنبت ما تقتات عليه السواني أو ينتشر الجراد والدبا فيأتي على التهام النبات من زروع وغيرها .
جوانح وآفات وجشع التجار
وما أكثر ما يحدث هذا ، وعندما يسلم الفلاح من جميع تلك الجوانح والآفات فإن جشع التاجر يكون فد أتى على محصول زرعه بطريقة مداينته ، إنه يدفع له مبلغاً من النقود بالطريقة المعروفة عند الفقهاء ب “السلم “، وهو أن يتقاضى عنها مبلغاً محدداً من الثمرة ، غير أن التاجر وقد عرف اضطرار الفلاح للاستدانة فإنه يتخذ من الاحتياطات ما يجعله يستولي على جميع تلك الثمرة ، فإذا كان صاع البر يساوي مثلا ريالاً ، فإنه يتقاضى من الثمرة صاعين أو أكثر، ويدفع له من النقود ما يرى ثمرة زرعه لا تفي بقيمتها كاملة ، ليجعله دائماً محتاجاً إلى الاستدانة منه .
الاستيلاء على المحصول
وهكذا يبقى الفلاح خاضعاً لجشع التاجر وسوء استغلاله ، مشغولا ًبما يعتريه من الهموم ، إزاء عجزه عن القيام بنفقه أهله بقية الفصل، لقد أتى التاجر فاستولى على المحصول كاملاً ولم يدع ما يفي بحاجة الفلاح ، فأصبح عاجزاً عن التصرف في دوامة من تراكم الهموم والتأثر النفسي من سوء الحياة ، هكذا كانت حالة أبي المعيشية ، ومثله أبوه وجده .
يتبع لاحقا ..
نقلا عن تراثنا – العدد 19