الذي لا يقرأ ليس حيا !!
بدأت بصف الحرف العربي في روما ثم توالت المطابع عربياً
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:
قال الأولون : “بطون تدفع وأرض تبلع”، وأنا بدوري أقول : مطابع تطبع ولا تجد من يقرأ ! فعالمنا العربي – إلا من رحم – من أكثر العوالم الموجودة على الأرض تأثراً بغير المفيد ، زهداً بالمفيد ، فهوامش الموضات وتوافهها وتقليد غيرنا من أولويات الكثير منا .
التوافه لا تجعل الإنسان إلا تافهاً ، فالأناء بما فيه ينضح ، والمرء يرتقي ويرتفع ويُحترم بما يحمل من ثقافة ووعي ومنطق واتزان ، على منهج راسخ وقوي ، يقوي به شخصيته .
-
توافه الأمور لا تجعل المرء إلا تافهاً ، فالإناء بما فيه ينضح والمرء يُحترم ويرتقي بالقراءة وبمنطقه .
-
من لا يقرأ ليس حياً ويتعامل مع الناس بمحدودية ،ويجلس أبكماً في المجالس خشية أن يُضحك عليه إن نطق !
-
” تفقهوا قبل أن تسودوا” مقولة لعمر بن الخطاب لمن يريد أن يسود الأمة ويصبح رأساً على الناس .
القراءة والتعايش
وهذا لا يتأتى إلا بالقراءة والمتابعة العلمية ، لما تدفعه المطابع من معلومات متنوعة ، يتعايش فيها مع بني جلدته من البشر ، ويتواصل معهم ، ويحيا معهم ، فالذي لا يقرأ ليس حياً ، فقد يلتقي مع الناس ويتعامل معهم ، ولكن بمحدودية ، بحسب ما يحمل من معلومات بسيطة ، وقد يلتقي بإخوانه وأصدقائه وزملائه في مجالسهم ، ولكنه يكون أبكم ..هم يتحادثون ويتحاورون ويتناقشون ، وهو خائف أن يدخل معهم فيُضحك عليه .
لم يكن جيل ما قبل الثمانينيات هكذا ، كان يتابع معارض الكتاب هنا وهناك ، ويسافر إليها ليحصل على كتاب يبحث عنه أشهراً أو سنوات ، يناقش قضية ما ، أو مخطوطة علمية أو شرعية حُققت ، كان القراء يبحثون عنها هنا وهناك ينتظرون خروجها .
بدء ظهور المطابع
منذ بداية صف الحرف العربي في روما عام 1671 م ، تتالت بعد ذلك ، وكانت بدايته طباعة الكتاب المقدس ، ثم طباعة الكتب العربية في لايدن بهولندة عام 1811 م ، ثم في لندن عام 1831 ، ثم انتقلت الطباعة إلى إيران عام 1636 م ، فحلت عام 1706 م ، فتركية عام 1733 م ، فالشوير بلبنان عام 1734 م ، فمصر عام 1798 م ، فالعراق عام 1816م ، ففلسطين عام 1846 م ، فالمغرب عام 1846 م ، فاليمن عام 1877 م ، فالحجاز عام 18882 م .
الاستشراق والطباعة
منذ ذلك التاريخ ،وحركة طباعة الكتاب العربي الأولية باطراد ، وكان أكثرها تحقيقاً لمخطوطات قديمة في علوم العرب والمسلمين ، ومن قبل المستشرقين الذين انصفوا العلوم العربية القديمة وأبرزوها ،وما زالت مكتبات أوربة تزخر بالطبعات القديمة الجيدة ، ومازال عندنا في عالمنا العربي بقية قليلة تحرص على اقتناء تلك التحقيقات العلمية التي بعضها مفرد في مصنف ، واكثرها ضمن المجلات الفريدة الاستشراقية ، والتي لم تُستخرج إلى يومنا هذا أو تُترجم .. والقارئ لموضوعاتها اليوم ، وبعد مرور عشرات بل مئات السنين عليها ، يشعر وكأنها تناقش قضيانا اليوم ، المختلفة بالأساليب المتنوعة .
تفقهوا وتعلموا
” تفقهوا قبل أن تسودوا ” مقولة نادرة قالها ثاني الخلفاء الراشدين ، عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يخاطب بها الصحابة رضوان الله عليهم في عصره ، فلعل أحدهم سيسود في يوم ما ، أو يصبح رأساً على أمه من الناس ، فعليه أن يتزود بالعلم ورأسه الفقه ، الذي هو لب كل علم ” الفهم العميق ” كما قال أهل اللغة ، وفيه حث للشباب أن يتفقهوا وهم صغار ، قبل أن يصيروا سادة وتمنعهم الانفة عن الآخذ عمن هو دونهم ، فيبقوا جهالاً كما نلاحظ ذلك واضحاً عند كثير من المسؤولين ،وبعض اعضاء مجلس الأمة ” البرلمان ” المتعجلين المجازفين بالتصريحات التي ارتدت على الكثير منهم ، لضعفهم في كثير من العلوم وفنونها .
والله المستعان ..
*رئيس تحرير تراثنا ورئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق