المعتمد البريطاني الذي غادر الكويت طرداً
تراثنا تدون رحلة ديكوري مع ملوك بغداد الثلاثة ..
الحلقة (1)
تراثنا – كتب د. محمد بن إبراهيم الشيباني :
العقيد جيرالد سبمسون ديكوري الملحق العسكري في السفارة البريطانية ببغداد في الفترة بين سنتي 1924 , 1929 . وفي سنة 1940 تم إرساله إلى السعودية بصفة ضابط اتصال سياسي فأمضى هناك سنة كاملة ، وعاد إلى العراق ليشد من أزر عبد الإله ونوري السعيد أثناء ثورة أيار مايو الوطنية سنة 1941 .
-
ديكوري كان ملحقا عسكريا في السفارة البريطانية في بغداد ثم معتمدا سياسيا في الكويت .
-
حاول ديكوري زرع الفتنة في الكويت وبث العداوة والفرقة في المجتمع فتم طرده بصفته شخصية غير مرغوباً بها .
-
كتب ديكوري مؤلفات عدة أثناء وجوده في العراق واحتكاكه الدائم بعبد الإله ونوري السعيد ووثقها في كتب .
-
تراثنا تستعرض فقرات من كتاب ديكوري ” ثلاثة ملوك في بغداد ” تنقل تطورات الوضع في تلك الحقبة .
في عام 1936 عين معتمداً سياسياً بالكويت ، واستمر حتى عام 1939 م كان في تلك الأيام كارثة و مصيبة على الكويت حيث بث روح العداوة والتفرقة في المجتمع الكويتي ، أراد أن يشعلها فتنه بين الشيخ أحمد الجابر والشعب بتحريض منه وبالاتفاق مع الملك غازي ضد الكويت في محاولة الاستحواذ على الشبيبة الكويتية ليقوموا بثورة ضد بلدهم ولكن الله جعل كيده في نحره واغتيل ملكه غازي عام 1939 الذي حرضه ، فطرد من الكويت على اعتبار أنه شخصية غير مرغوب بها .
كتب ديكوري مؤلفات عدة أثناء وجوده في العراق واحتكاكه الدائم بعبد الإله ونوري السعيد منها هذا الكتاب الذكريات أو الوثيقة حيث كتب عن ثلاثة ملوك كان له معهم لقاءات وسفرات وهم الملك فيصل الأول والملك غازي والملك فيصل الثاني وسمى كتابه هذا أو تدويناته (( ثلاثة ملوك في بغداد )) وصف فيه أحوالهم مما لا تجده في كتاب مطبوع أو وثيقة ، نقله إلى العربية سليم التكريتي عام 1990 ، وقد وضعت له عناوين لكل حدث من أحداثه انتقيت منه بعض ما سيراه القارئ ونقحته وعلقت على موضوعاته وصححت بعضها .
وقد استللت ـ كما ذكرت ـ من الكتاب مالم يذكر عن عبد الإله . ومن الله نستمد العون :
المسافر العراقي
ما أن يبلغ المسافرون من العراقيين العرب ، الحدود التركية والفارسية حتى تتكون لديهم أحاسيس متباينة لدى مشاهدتهم الجبال، ذلك لكن فرحتهم الطبيعية سرعان ما تخف ، نتيجة الشعور بالخوف له جذوره الحقيقية . فمن الجبال كان الغزاة يتدفقون ، ومنها تأتي الفيضانات تعرض الحياة في السهل إلى الخطر .
الفيضانات
ففي كل عشر سنوات أو نحوها ، تغدو الفيضانات خطيرة جداً ، وهناك مثل عراقي يقول: (أن مصير بغداد الغرق، ومصير البصرة هو الحريق) ،ولقد تحقق هذا المثل في منتصف شهر آذار ( مايو ) سنة 1946 ، وأصبح أمراً واقعياً . فالشارع الرئيس في بغداد انخفض بمقدار ثمانية أقدام تحت مستوى الماء ، و لم تكن تصده سوى سدود ترابية على امتداد نهر دجلة ، كما سبق للمياه أن تسربت إلى داخل المدينة خلال جوانب النهر المشيدة بالأجر .
كان من المعتاد أيام الفيضانات ، وحين يتوفر الوقت الكافي للتحذير ، أن يتم أحداث كسرة في إحدى السدود التي تقع على بعد حوالي عشرين ميلا شمالي المدينة ، بحيث يسمح للمياه الفائضة أن تجري في الأراضي المنخفضة المزروعة ، لكي تلتقي بمياه نهر دجلة جنوبي المدينة ، وذلك بالانصباب في أحد روافده وهو نهر ديالي.
فيضان نهر دجلة
غير أنه في سنة 1946 لم يتوفر أي إنذار بحدوث الفيضان . فلقد كان ذوبان الثلوج سريعاً، أعقبته أمطار غزيرة ، بحيث فاضت دجلة مثلما فاض الروافد التي تصب فيها سوية . وما أن بلغت ذروة الفيضان مدينة بغداد ، حتى هبت ريح جنوبية شديدة أدت إلى تأخير الجريان وتراكم المياه بصفة أكثر ، وسرعان ما تحطمت ضفاف نهر دجلة على بعد لا يزيد عن أربعة أميال شمالي المدينة ، ولذلك فإن المياه بدلا من أن تنساب عبر الريف إلى نهر ديالي ، راحت تجري بسرعة صوب السدة التي كانت تسمى معسكر الجيش العراقي جنوبي المدينة (1) .
كارثة لا يستطيع أحد إيقافها
وعبثاً حاول الألوف من الجنود سد الانهيار الذي أصاب تلك الضفة ، ليحولوا دون انهيار خط الدفاع الأخير هذا ، ولكن سرعان ما غدا واضحاً بأنهم لن ينجحوا في محاولتهم تلك . لقد كان الجنود يعملون وقد تعرت صدورهم ، ويقسمون الأيمان ويضاعفونها بأنهم سوف يوقفون الفيضان ، في حين أخذت موجات كبيرة من الأهالي رجالا ونساء يقدمون لهم التراب في السلال .
وفي كل بضع دقائق كان ينطلق العويل كلما تداعى بيت أو ثكنة داخل المعسكر ، وتهاوت في الماء ، في ذات الوقت الذي كانت فيه السحب التي تلبد كبد السماء ، وتنذر بسقوط أمطار جديدة ولقد انتشر الهلع بين سكان بغداد ، وازداد حدة ، ولذلك بادر عدد من الأهلين والأوروبيين بمغادرة المدينة ، وأخذ الملك فيصل الثاني ، الذي كان في الحادية عشرة من عمره بين الجند ، فراح يشاهدهم وهم يعملون على طول السداد ، ويشجعهم وجوده معهم .
زال الخطر عن بغداد
غير أن ذلك كله لم تنجم عنه سوى فائدة ضئيلة . فقد غدا جلياً أنه لم تبق أمام الكارثة سوى ساعات قلائل جداً ، حين أقدمت مديرية الري على جلب كل ما يمكن الحصول عليه من أدوات لحفر التراب ، التي أستعير البعض منها من القوة الجوية العراقية ومن بعض المقاولين فراحت تلك الأدوات تعمل ليل نهار على تقوية السدود ، وهكذا زال الخطر عن بغداد خلال يوم أو يومين .
ولقد حال بناء سد كبير في سامراء يمكن أن تحول فيه مياه الفيضانات إلى منخفض وادي الثرثار ، دون تعرض بغداد لأخطار الفيضان منذ ذلك الوقت ، ولو أن القسم الثاني من مشروع مجلس الإعمار لإعادة انصباب المياه مرة أخرى إلى نهر دجلة ، لم يكمل بسبب وقوع ثورة 1958 .
مسيرة النصر
قبل أن تبدأ « مسيرة النصر « في لندن ، دعي كل من فيصل الثاني وعبد الإله إلى حضورها . وكان عبد الإله يحضر مؤتمرا عقده الحكام العرب في القاهرة ، ولذلك عرج ـ وهو في طريق إلى القاهرة ـ على عمان ، ليحضر حفلة تتويج عمه ((عبدالله)) ملكا على شرقي الأردن . ولقد عاد عبد الإله إلى بغداد في أيام قليلة ، وتوفر لديه الوقت لكي يفضي إلى بعض انطباعاته .
حكاية الجندي
كنت أجلس معه منفرداً ( الكلام لديكوري ) فرحاً بجانب القصر عند الغسق ، حين قطع علينا الحديث أحد الجنود ، ويدعى (( شنشل )) الذي كان يرتدي بذلة الحرس الأنيقة المهندمة ، كان وجه ذلك الجندي حالك السواد ، وكان غليظ الشفاه ، شديد العزم ، يبلغ طوله ستة أقدام .
وعندما سأله عبد الإله عن سبب مجيئه من دون اذن ، رد عليه ، وقد بدا صدقه واضح التعبير في عينيه ، بقوله ( كلمة واحدة ليس إلا ) وهو يضع إصبعين تجاه شفتيه . في حين تدلى قفا يده الأخرى إلى امام إشارة الخضوع والإذعان.
قبل الجندي يد عبد الإله ، وحاول أن يفعل الشيء ذاته معي ، ولكني سحبت يدي منه بسرعة ، فتراجع وقبل أصابعه ، وأشار إلى أنه كان يود أن يقبل يدي لو استطاع ذلك . سمح عبد الإله للجندي بأن يقبل يده وهو يقول له : حاذر يجب أن تحصل على أذن ، ولتنصرف الآن ! .
انصرف ذلك الجندي وإذ ذاك قلت لعبد الإله ، بأن اسمه كان في وقت من الأوقات( قايد رز وقي وأنه كان في خدمتي قبل عشرين سنة خلت ، وهو يجيد الرقص ، وكان شكله في ذلك الوقت نفس ما هو عليه الآن ، ولكنني لم أنجح في تهذيبه مثل الآخرين ، غير أن إخلاصه لا غبار عليه .
كرر عبد الإله ذات كلماتي برقة، وكأنها تعرب عن أهميتها الحقيقية وراح يقول : غير مهذب ومخلص ! وإذا اظهر شيئاً من الاشمئزاز استدعى أحد الخدم لكي يجلب له ضابط الحرس وأن يختبر طلب الجندي ( قايد) .
مؤتمر انشاص
وحين شرع عبد الإله يتحدث عن زيارته للقاهرة ، وعن حضوره مؤتمر “انشاص ” الذي عقد في التاسع والعشرين من شهر آيار ( مايو ) ، فقد أفضى إلي كيف أنه وجد سعود بن عبد العزيز آل سعود والذي لم يكن قد التقى به قبلا …
تشكيل الوزارة
طلب عبد الإله إلى أرشد العمري وهو من إحدى الأسر الموصلية ، والذي تولى منصب أمين العاصمة مرات عدة ، أن يؤلف الوزارة .وما أن تمت التشكيلة حتى رغب عبد الإله في السفر إلى لندن عن طريق القاهرة ، واستطعت أن أتأكد في اليوم التالي من السفارة البريطانية بأن إحدى طائرات شركة ( الخطوط الجوية البريطانية) على استعداد لنقله في اليوم الثاني من حزيران ( يونيو ) عن طريق اللد والقاهرة ومالطة ونابولي ومارسيلية إلى لندن . لقد كان عبد الإله يود أن يسافر بطائرته البريطانية الجديدة ، ولكنه وجد بعض الخلل فيها .
يتبع لاحقا