الحلقة (1)
أول صور توثق مناسك الحج في الحرمين الشريفين
تراثنا – عرفة عبده علي :
خص الله تبارك وتعالى مكة المكرمة والمدينة المنورة بالتشريف، فمكة المكرمة مبعث الرسالة وتحتضن المسجد الحرام والكعبة المشرفة واليها تهوى أفئدة المسلمين .
والمدينة المنورة مهاجر خاتم المرسلين وتحتضن مسجده الشريف ، وهذه المقدسات التى تمثل شواهد دالة على حضارة اسلامية عريقة.
-
أول صور للحرمين الشريفين أُخذت في عهد السلطان عبدالحميد الثاني وجُمعت فى ملفات معروفة باسم مجموعة يلدز محفوظة بجامعة استانبول .
-
العقيد محمد صادق بك والبعثة العسكرية العثمانية فى الحرمين الشريفين حصروا المواقع وصوروها بكاميرات التصوير عام 1297 هـ / 1880م .
-
الصور الفوتوغرافية أخذت للأماكن المقدسة بعدسات مصورين مسلمين وتُعد أول توثيق مصور لها وكانت مهمة عسكرية بالأساس .
ثورة التصوير الفوتوغرافي
نشأ التصوير الفوتوغرافى عام 1839م على أيدى الفرنسيين: نيسيفور نيبسى وجاك داجير ، فأحدثا ثورة فى الأوساط العلمية فى أوروبة ، وتطور هذا الفن فى العقد السادس من القرن التاسع عشر وكانت المحصلة مجموعات رائعه من صور الرحلات فى بلاد الشرق ، وعلى الرغم من انتشار التصوير الفوتوغرافى.
ظلت كل مكة والمدينة بمعزل عن هذا الفن ، وكان أمرا ً مثيرا ً للدهشة أن الرحالة البريطانى الأشهر «ريتشارد بيرتون» الذى دخل مكة والمدينة عام 1270 هـ / 1853م ثم تلاه عدد من الرحالة الذين تظاهروا بالاسلام لم يفكروا فى استخدام هذة التقنية الجديدة فى تصوير الحرمين الشريفين !..
السبق التاريخي للعثمانيين
ولحكمة أرادها الله تبارك وتعالى أن يكون السبق التاريخي للمسلمين !.. فقد أدرك مبكرا الباب العالى فى تركية والأسرة المالكة فى مصر أهمية التصوير الفوتوغرافى لاسيما فى مجال المساحة العسكرية ، وأصبح جزءاً من التدريب العسكرى فى الجيوش العثمانية والمصرية .
مجموعة يلدز
والصور التى جمعها المصورون فى عهد السلطان عبد الحميد الثانى – يرحمه الله ، فى مناطق الامبراطورية العثمانية جمعت فى ملفات معروفة باسم مجموعة يلدز محفوظة بجامعة استانبول وتضم ملفات عدة لصور الحجاز ، وهذه المجموعة تجسد التاريخ المبكر للتصوير الفوتوغرافي فى جزيرة العرب .
بدء تصوير الحرمين
وتجدر الاشارة إلى أن سعي السلاطين الأتراك وأسرة محمد علي باشا كان من أجل تعزيز مكانتهم بحماية الحرمين الشريفين والعناية بهما .. وبالتالى تزامن تواجد كل من العقيد محمد صادق بك والبعثة العسكرية العثمانية فى الحرمين الشريفين ومعهم كاميرات التصوير عام 1297 هـ / 1880م .
بعثة لتصوير جدة
وبالاضافه الى محمد صادق والبعثة العسكرية العثمانية ، هناك أيضا ً مجموعات هامة لمكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة بعدسات مصورين مسلمين : عبد الغفار ابن عبدالرحمن الطبيب والمصور المكى ، الأميرالاى ابراهيم رفعت، محمد لبيب البتنونـى ، ميرزا ، محمود عرب قرلى ، محمد حلمى .. الى جانب مجموعات الهولندى “ هورجرونيه والفرنسى كورتلمون .. وسأقصر حديثى عن أول توثيق مرئى لمكة والمدينة والمشاعر المقدسة ، والذى قام به محمد صادق بك والبعثة العسكرية العثمانية برئاسة: القائم مقام أركان حرب : على بك رضا فوتوغرافجى بعساكر الشاهانة .
الأميرآلاى محمد صادق
هو صاحب السبق التاريخى فى أول توثيق مرئى للمدينتين المقدستين ، تلقى محمد صادق 1238 ـ 1320 هـ / 1822 ـ 1902م تعليمه فى المدرسة الحربية بالقاهرة ، ثم سافر الى باريس ضمن البعثة الرابعه عام 1844م الى المدرسة المصرية للفنون العسكرية التى أسسها محمد على باشا .
وعقب تخرجه التحق بمدرسة العلوم العسكرية العليا الشهيرة بباريس ـ ودرس فن التصوير الفوتوغرافى ، ورسم الخرائط ، وعقب عودته عين مدرسا ً للهندسة المساحية بالمدرسة الحربية تحت رئاسة مديرها رفاعة الطهطاوى .. وكتب عنه: أمين سامى باشا فى كتابه تقويم النيل: ” وكان ممن رسموا الحرمين المكى والمدنى بالفوتوغرافية رسماً جيداً “.
تشخيص الأماكن للتصوير
قام محمد صادق برحلته الأولى الى الحجاز بصفته مهندس مساحة فى معية محمد سعيد باشا وكان وصولهم الى المدينة المنورة فى غرة شعبان 1277هـ / فبراير 1861م والهدف من هذة الرحلة كما كتب محمد صادق: ذكر الاستكشافات العسكرية وتشخيص الأماكن والمناخات ، وتعيين الطرق والمحطات.
مهمة التصوير العسكرية
وسجل الأميرالاى محمد صادق انطباعاته ومشاهداته عن رحلته هذة، ولكن نشرها بعد سبعة عشر عاماً!.. فكتب وصفا ً للرحلة فى الجريدة العسكرية المصرية فى جمادى الآخرة 1294 هـ / يونيو 1877م وفى العام نفسه صدر كتابه الأول : نبذه فى استكشاف طريق الأراضى الحجازية من الوجه وينبع البحر الى المدينة النبويـة ،وبيان خريطتها العسكرية فكان واضحا ً أن المهمة بالأساس عسكرية بتكليف محمد صادق انجاز خرائط علمية دقيقة للمنطقة الغربية .
ويصف كيفية التقاطه لهذة الصور الأولى : وأخذت رسم المدينة المنورة بواسطة الآله الشعاعيه المسماه بالفوتوغرافية مع قبة المقام الشريف جاعلا ً نقطة منظر المدينة من فوق الطوبنخانه ( القلعة ) حسبما استنسبته لكى يحوز جزءاً من المناخه أيضا ً ، وما سبقنى أحد لأخذ هذة الرسومات بهذه الآله أصلاً!
أمينا للصرة في الرحلة الثانية !
رافق الأميرالاى محمد صادق قافلة المحمل المصرى بالطريق البرى بصفته أميناً للصرة ، وكان وصول القافلة الى مكة المكرمة فى الخامس من ذى الحجة عام 1297 هـ / 8 نوفمبر 1880م ثم غادرت الى المدينة المنورة فى العاشر من المحرم 1298 هـ / 14 من ديسمبر 1880م وتضمنت تفاصيل الرحلة وانطباعاته كتابه( مشعل المحمل فى سير الحج المصرى براً ) وتحدث عن طرق الحج ، ومناسكه ، وتاريخ قافلتى المحمل المصرى والشامى .
أنقر : طالع الحلقة (2)
ووصف طبوغرافى لمكة المكرمة والمدينة المنورة ومنى والبقيع ، وبعض الشخصيات ، وكتب عن صورة مقبرة المعلاه : أنه رسم منظر المقبرة بالفوطوغرافيا وأضاف : وأخذت أيضا ً رسم المدينة المنورة بالفوطوغرافية مع قبة المقام الشريف والخمس منارات وقد أخذت منظر القبة الشريفة من داخل الحرم وأخذت صورة سعادة شيخ الحرم ( شوكت باشا) وبعض أغوات الحجرة الشريفة ، وما سبقنى أحد لآخذ هذة الرسومات بالفوطوغرافيا أصلاً!
وتجدر الاشارة الى أن مجموعة الصور التى التقطها صادق فى رحلته هذه : نالت الميدالية الذهبية بمعرض ونيزية بمدينة البندقية عام 1298 هـ / 1881م وكان أول ظهور لصور الحرمين الشريفين فى أوروبة !
نُشر في تراثنا العدد 80
أنقر: الغلاف للتفاصيل
يتبع لاحقا ..