الحلقة (2) والأخيرة
أول صور توثق مناسك الحج في الحرمين الشريفين
تراثنا – عرفة عبده علي :
في الحلقة الثانية والأخيرة ، نستكمل نشر الدراسة القيمة خصها الباحث عرفة عبده علي تراثنا ، يتناول فيها بواكير بعثات توثيق موسم الحج بالتصوير الفوتوغرافي في القرن التاسع عشر ، ما يمثل أهمية خاصة للتراث والتاريخ الإسلامي .
أميناً للصرة في الرحلة الثانية !
رافق الأمير الاي محمد صادق- يرحمه الله – قافلة المحمل المصري بالطريق البري بصفته أميناً للصرة ، وكان وصول القافلة إلى مكة المكرمة في الخامس من ذي الحجة عام 1297 هجرية/ 8 نوفمبر 1880 م ، ثم غادرت إلى المدينة المنورة في العاشر من المحرم 1298 هجري/14 من ديسمبر 1880م .
وتضمنت تفاصيل الرحلة وانطباعاته كتابه “مشعل المحمل في سير الحج المصري براً ” ،وتحدث عن طرق الحج ، ومناسكه ، وتاريخ قافلتي المحمل المصري والشامي ، ووصف طبوغرافي لمكة المكرمة والمدينة المنورة ومنى والبقيع ،وبعض الشخصيات ، وكتب عن صورة مقبرة المعلاه : ” أنه رسم منظر المقبرة بالفوطوغرافيا.
وأضاف ” وأخذت أيضاً رسم المدينة المنورة بالفوطرغرافية مع قبة المقام الشريف والخمس منارات ، وقد أخذت منظر القبة الشريفة من داخل الحرم ،وأخذت صورة سعادة شيخ الحرم (شوكت باشا) يرحمه الله ، وبعض أغوات الحجرة الشريفة ، وما سبقني لأخذ هذه الرسومات بالفوطوغرافيا أصلاً” !
ميدالية ذهبية
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة الصور التي ألتقطها صادق في رحلته هذه ،نالت الميدالية الذهبية بمعرض ونيزية بمدينة البندقية عام 1298 هجري / 1881 م ،وكان أول ظهور لصور الحرمين الشريفين في أوربة .
الرحلتان الثالثة والرابعة
وصل محمد صادق (باشا) إلى مكة المكرمة برفقة المحمل المصري أيضا ، بصفته أميناً للصرة ، في الرابع من ذي الحجة 1302 هجري / 13 من سبتمبر 1885 م ، حيث أمضى في مكة 26 يوماً ، ثم أمضى ثمانية أيام في المدينة المنورة ، وغادر إلى القاهرة التي وصلها في 16 من صفر 1303 هجرية ، ومكث أقل من شهر في القاهرة ، حيث كلفته نظارة المالية بتسليم ” قمح الصدقة ” للمدينتين المقدستين .
ووصل إلى مكة في 18 من ربيع الأول / 13 من ديسمبر 1855م ، في رحلته الرابعة التي استغرقت نحو سبعين يوماً ، وفي أغسطس 1886م ، صدر كتابه الثالث ، ” كوكب الحج في سفر المحمل بحرا وسيره براً ” .. ولم يتحدث عن أي نشاط تصويري ، لكنه تناول بالتفصيل مظاهر الاحتفال بوصول المحمل ، والأماكن التي تنقل بينها ، وشارك في غسل الكعبة الشريفة ، كما تحدث عن العادات والتقاليد المتوارثة لأهل مكة المكرمة والطائف ، وجوانب من حياتهم .
إعلان بالفرنسية !
وكانت رحلته الخامسة في الخامس من رجب 1304 هجرية / أول من إبريل 1887 ، وفي عام 1313 هجرية 1896 م ، صدر كتابه ” دليل الحج للوارد إلى مكة والمدينة من كل فج ” وضم تسع صور فوتوغرافية في مكة ومنى والمدينة .
وتجدر الإشارة إلى إعلان بالفرنسية أصدره مسيو بونولا أمين عام الجمعية الجغرافية المصرية عام 1896 م ، عن بيع نسخ من مجموعة مناظر فوتوغرافية لمكة المكرمة والمدينة المنورة للكولونيل محمد صادق بك .
كما جاء في الإعلان أن هذه المجموعة حصلت على الميدالية الذهبية للمعرض الدولي الجغرافي بالبندقية ، ومجموعة الألبوم كانت على النحو التالي :
-منظر عام للحرم المكي ومدينة مكة يوضح الجهات الشمالية والغربية ، والصورة عبارة عن إطارين متلاصقين .
-منظر آخر للمسجد الحرام يوضح جهتيه الشمالية والغربية ، والصورة عبارة عن إطارين ملتصقين .
-منظر للطواف حول الكعبة المشرفة ويظهر أيضا جبل أبي قبيس .
-منظر لصلاة الجمعة حول الكعبة وتظهر قلعة أجياد .
-منظر لباب الصفا .
-منظر لمقبرة المعلاه .
-منظر لمخيم الحجيج بمنى ، والصورة مكونة من إطارين ملتصقين .
-منظر لمخيم الحجاج بجبل عرفات .
-مشهد عام للمدينة المنورة والقبة الخضراء للحرم النبوي .
-مشهد عام للمدينة المنورة والمسجد النبوي وحي المناخة .
-المسجد النبوي والقبة الشريفة والمنارات .
وجاء في الإعلان أن سعر المجموعة غير الملصقة على كرتون 40 فرنكاً ، أما الصورة الملصقة على كرتون فقيمتها 50 فرنكاً .
أنقر : لمطالعة الحلقة الأولى
مجموعة البعثة التركية
ستطل أسبقية تصوير الحرمين الشريفين لمحمد صادق باشا ، والبعثة العسكرية التركية بالتزامن في موسم حج عام 1297 هجرية ،وقد أكد صادق باشا في كتابه ” نبذة في استكشاف طريق الأراضي الحجازية ” ، أنه ألتقى قبل صعوده عرفات ، بعثة عسكرية عثمانية من خمسة ضباط أركان حرب برئاسة الاميرالاي على بك رضا -يرجحمه الله – وكان مسؤولاً عن التصوير الفوتوغرافي بهيأة حرب الجيش العثماني .
وقد قامت البعثة باعداد صور فوتوغرافية للحرمين الشريفين ومشاعر الحج ، ورسم خريطة لمكة المكرمة ، ومن بين الألبومات التي أهداها السلطان عبدالحميد – يرحمه الله – لمكتبة الكونجرس عام 1311 هجرية / 1893م ، اثنين يحتويان على 60 صورة فوتوغرافية أعدها على بك رضا .
تقارير غريبة
وقد استغرق عمل البعثة أشهر عدة ، ومن التقارير الغريبة أن البعثة التركية كانت تقوم بعملها في الوقت الذي كان فيه محمد صادق يلتقط الصور !ّ ففي صورة للحرم المكي التقطتها البعثة التركية ، يظهر محمد صادق فوق أقواس الحرم ، وفي صورة أيضاً للحرم المكي التقطها صادق ، وظهر بعض أعضاء البعثة التركية في الجهة المقابلة !
وأود أن أشير انه باستثناء الرحلة الأولى لمحمد صادق باشا – يرحمه الله – والتي كانت لأغراض المسح العسكري ، ففي رحلته الثانية كان دافعه نبيلاً كمسلم يعتز بعقيدته أن يوثق سجلاً تصويرياً للحج إلى بيت الله الحرام ، وإذا كان التوثيق التصويري من السجلات الهامة والثمينة للتاريج الاجتماعي ، فإن الصورة النادرة لمكة والمدينة من نوع خاص ، توضح حج التوسعات والتجديدات والتطورات الحضارية الهائلة الحالية مقارنة بهذه الصور الشمسية الأولى للحرمين الشريفين ، وتثبت لحظات من تاريخ وزمان هذه البقاع المقدسة (تمت)
نُشر في تراثنا العدد 80
أنقر: الغلاف للتفاصيل