الحلقة (2)
حديث التاريخ من الكتب
كتاب : على طريق الهند – رسائل الأهالي
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني *:
التاريخ لا يحابي أحداً ، فما غاب عنا لم يغب عن غيرنا ، وما لم نعرفه اليوم سنعرفه في الغد ، ولن يستطيع أحد أن يستر الحقيقة ، أو يخفيها ، ولا سيما اليوم في عصر التقنية الجديدة المتجددة المرعبة .
هذه الرسالة تحكي متابعة في الكتب والأوراق المبعثرة والوثائق وغيرها عن تاريخ الكويت وحكامها ورجالاتها من الذين كان لهم دورهم في نهضتها وعمرانها ، دللت فيه على مكانها مع ذكر عناوين مادتها وموضوعها .
أرجو أن يكون معيناً للدارسين والباحثين في هذا الشأن .
بريطانية تبسط نفوذها على الكويت
في حلقتنا الثانية ، نأتي على ذكر الأحداث التي نوه إليها مؤلف كتاب (على طريق الهند – رسائل الأهالي) إبراهيم عبدالفتاح ،وتمثلت بالتنافس بين الدول الكبرى على مد نفوذها على بلدان منطقة الخليج والسيطرة على ثرواتها ، مما له أثره بالتبيعة على الكويت .
إذ شاع حينها أن روسية تنوي إقامة خط حديدي تكون نهايته في الكويت ، فأحدث ذلك ضجة عظيمة في الأوساط السياسية الإنكليزية ، ساقت الحكومة إلى عقد اتفاقية جديدة مع أمير الكويت حددت حرية تصرفه بإملاكه .
بريطانية تهدد روسية
وأعلن اللورد لونسدون تصريحه الشهير ،في قاعة مجلس اللوردات 5 من مارس سنة 1903 م ، حيث قال مهدداً الدول ، ولا سيما روسية وألمانية ، :” أننا نعد تأسيس أي دولة أخرى قاعدة بحرية أو ميناء محصناً في الخليج العربي (1) تجاوزاً على المصالح البريطانية ، ومن واجبنا أن نرده بكل ما لدينا من وسائل “.
وكاد يكون تنافس الدولتين علي الخليج سبباً في نشوب حرب بينهما ، على أن انكلترة جنحت للحكمة في التفاهم بعد أن دخلت ألمانية ميدان التنافس أيضاً .
وأيد سياسة التفاهم فريق من الساسة الأنكليز في طليعتهم السر أوكونور سفير بريطانية في اسطنبول.
أتفاقية تفاهم بريطانية روسية
فانتهى الأمر بعقد اتفاقية سنة 1907 بين انكلترة وروسية التي سويت بها اختلافات الدولتين فيما يتعلق بمطامعهما الاستعمارية في إيران والتيبت والأفغان .
وقد قسمت بلاد إيران بمقتضى هذه الاتفاقية إلى ثلاث مناطق نفوذ ، تكون الشمالية منها منطقة نفوذ لروسية القيصرية ، والجنوبية منطقة نفوذ بريطانية ، ولكن المنطقة الوسطى ، منطقة محايدة تشترك الدولتان في تقرير ما يتعلق بها .
وبهذه الاتفاقية تخلصت انكلترة من المنافسة الروسية في سواحل الخليج العربي (2) إذ لم يبق لروسية طريق إلى الوصول إليها .
بريطانية والنفط الإيراني
ونشأت في أوائل القرن العشرين مصالح أخرى لبريطانية في الخليج باكتشاف النفط في إيران ، وذلك أن وليم نوكس دارسي ، وكان محامياً في استرالية أثرى باكتشاف معدن الذهب في قطعة أرض كان يمتلكها هناك ، سمع بوجود النفط في بلاد إيران ، فأوفد أحد الجيولوجيين ليستطلع الأمر ، فما أن استوثق منه جاء إلى إيران ، واستطاع أن يقنع الشاه سنة 1901م بان يمنحه امتياز استخراج النفط والغاز والزفت في البلاد الإيرانية ، عدا المقاطعات الخمس الشمالية .
تأسس شركة نفط انكليزية فارسية
ولما باشر العمل وجد أن ما كان لديه من المال لا يكفي للقيام بهذا المشروع الجسيم ، فاضطر أن يفاوض الرأسماليين الإنكليز فتألفت شركة النفط الأنكليزية الفارسية سنة 1909 لاستخراج النفط بمقتضى الامتياز الذي استحصله دراسي .
ولما أدرك الساسة الأنكليز ورجال الأسطول أن سيكون للنفط أهمية كبرى في الحروب المقبلة ، تدخلت الحكومة البريطانية في شؤون هذه الشركة ، وأوفد السير ونستون تشرشل ، وكان وزيراً للبحرية بعثة لدرس ميادين النفط الفارسية ،وتقديم تقرير عن درجة أهميتها للأسطول البريطاني .
بريطانية تسيطر على إدارة الشركة
وقررت الحكومة البريطانية على أثر ادلاء هذه البعثة بنتائج درسها أن تؤيد شركة النفط الأنكليزية الفارسية في بلاد إيران ، ثم صرح تشرشل في مجلس العموم في تموز 1913 م ، أن وزارة البحرية مزمعة على امتلاك عددمن الحصص يضمن لها السيطرة في إدارة الشركة ، وتجهز الأسطول بما يحتاج إليه من المادة الحيوية ، وقد تحقق ما صرح به تشرشر بعد ذلك ببضعة أشهر (سنة 1914م) .
وهكذا أصحبت الحكومة البريطانية تملك القسم الأعظم من أسهم هذه الشركة ،وتحتم عليها أن تحمي مصالح هذه الشركة بقوة السلاح ، إن استلزم الأمر ، حتى كان السبب الأول للحملة التي جهزتها بريطانية على العراق عند إعلان الحرب على الدولة العثمانية عام 1914 كما ادعى الأنكليز رغبة انكلترة في حماية منطقة النفط الأنكليزية الفارسية في عبادان .
*رئيس مركز المخطوطات والتراث الوثائق ومجلة تراثنا .
يتبع لاحقا ..
هامش
1- الأصل : الخليج الفارسي.
2- الأصل : الخليج الفارسي
طالع الحلقة الأولى :
الكويت وأطماع الدولة العثمانية وبريطانية – الحلقة1
نقلا عن تراثنا العدد 86
تواصل مع تراثنا