شخصيات لها بصمتها الثقافية
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني* :
مما سجله تاريخ الكويت الحديث ، كويت الاستقلال ، وواكب نهضتها اهتمام وزير الإعلام الأسبق الشيخ جابر العلي الصباح (1928 – 1994) ، يرحمه الله – بتراث امته العربية والإسلامية ، وتراث آبائه وأجداده الكويتي .
كان عصره عصر اشتهار الكويت في المنتديات العلمية ، والمحافل الدولية المهتمة بالعلم والاشتغال به ، وإبراز وجه الكويت الحضاري، حكومة وشعباً بالثقافة ، فهب شبابها ، شباب الستينيات والسبعينيات والثمانينيات للاهتمام بالعلم والتسابق على المعرفة .
فكانت مطبوعات وزارة الإعلام الكويتية آنذاك بمختلف سلسلاتها ، السلسلة التراثية العربية وسلسلة عالم المعرفة ،وسلسلة عالم الفكر ، ومجلة العربي ، وسلسلة المطبوعات المتنوعة .
لم تكن تلك المطبوعات جامدة كما يظن بعضهم في تراثنا وفكرنا وثقافتنا ، إنما كانت حية نابضة العروق عميقة الجذور ،وافرة المعلومات ، حية إلى يومنا هذا والى غد ، كما انتفعنا نحن بها بالأمس ، وننتفع بها اليوم .
ولم تهتم بعلم واحد ، وإنما بعلوم العرب المتنوعة ، وقد تصدى لتحقيقها جهابذة العلماء واساطين العلم والمعرفة من محققي هذا العصر ، أمثال عبدالسلام هارون ، وصلاح الدين المنجد ، وعبدالستار فراج ، ومحمد الساجر ، وأحمد زكي أول رئيس تحرير لمجلة العربي ..وغيرهم .
منهم من قضي نحبه – يرحمهم الله – ومنهم من ينتظر ، ندبتهم وزارة إعلام جابر العلي المعرفة والثقافة للقيام بنشر تلك العلوم ، ومازالت هذه المطبوعات في كل العالم مطلوبة ومرغوبة ، والسعي للحصول عليها مرغوباً في العالم كله ، فهي حلي تحلت وما زالت تتحلى بها المعاصم .
لقد توقف ذلك الخير، وتحول ذلك المد إلى ديار أخرى ، فأنشأت المكتبات الضخمة ، وفتحت دور العلم المختلفة ،ووضعت الجوائز القيمة ، على حين ظلت مكتباتنا موحشة خالية من روادها ، بل إن مكتبات الدولة اليوم ، وهي معلمنا الحضاري ، ووجهنا الثقافي ، تئن وتطلب من أحمد زكي – يرخمه الله ينقذها من حبسها ويفكها من قيدها الظالم ، وبلائها من حراسها ، فليس فيها من كتب تاريخية إلا مرحلة ما بعد الغزة ، وكأن تاريخ الدولة بدأ بعد عام 1990م !!
ولقد ذهب العظماء الذين أحبهم العالم كما احبوه ،فأعطاهم مثلما أعطوه ، وبقي من يتاجر به ويرائي ، ولا نشمل الكل ، فهذا ليس من الإنصاف ، وإنما لا تعدم الدنيا ، أو البلد من الأخيار الذين مازالوا على ما كان عليه سلفهم .
وصدق رسولنا عليه الصلاة والسلام حين قال : ” إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً بنزعه من العباد ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً ،فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا ” .
والله المستعان ..
* رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ومجلة تراثنا
نقلا عن تراثنا – العدد23