فك الله قيدها وأعاد مجدها وزهوها
كتب: د. محمد بن إبراهيم الشيباني * :
آه يابغدان يامدينة السلام ويامدينة العلم والعز والفخار اسمع أنينك من وجع حل بك وداء ابتليت به اسمه قادة وزعماء ورؤساء ترأسوا الناس على أرضك اعانك الله وفك قيدك من أسر قد ظلمت به .
آه يامدينة الخلفاء والملوك والأمراء والوزراء والأشراف (( من علية الناس وسائر طبقات العلم)) النحاة والصرفيين والبيانيين واللغويين والقراء والمفسرين والمحدثين والمتكلمين من سائر النحل والمنطقيين والأصوليين والمجتهدين والفقهاء والقضاة والفرضيين (( من سائر المذاهب )) .
-
بغداد مدينة الخلفاء والملوك والأمراء والقضاة والأشراف والأصوليين والنسّاك والزّهاد والوعّاظ والرياضيين والفلكيين والأطباء والصيادلة ..
-
سأل الإمام الشافعي صاحبه العالم المصري يونس بن عبد الأعلى يايونس.. دخلت بغداد ؟ قال قلت : لا : قال : مارأيت الدنيا ولارأيت الناس !
ومدينة الزهاد والنساك والمتصوفة والقصاص والوعاظ والرياضيين الحسّاب والمهندسين والفلكيين والمنجمين والأطباء والصيادلة والجراحين والكتاب والخطاطين والمتأدبين والأخباريين والنسابين والمؤرخين والعروضيين والشعراء والرماة والفرسان وحذاق الصناع .
ممن نبغ فيها أو وَرَد (( من غير أهلها )) وماأنتهى إليه علمه من كناهم وألقابهم وأنسابهم ومشهور مآثرهم ومستحسن أخبارهم وشهيرات النساء ومستملح لطائفهن . أين أنت من كل ذلك ؟ لقد كنت عزيزة كريمة عظيمة أنفة يخرج منك أفواج المجاهدين لنشر رسالة الإسلام في الأرض فيرجعون إليك بعد ذلك أعزة بعد أن فتحوا الديار وأشاعوا دين الخير في أرجائها من غير ضراء مضرة ولافتنة مضلة .
عصور زاهية
آه على عصورك الزاهية لقد أذلك حكامك المتأخرون أيما اذلال وأنزلوا كبريائك ولم يرعوا لك بالاً ولاتقديرا لمن سبقهم ممن ذكرنا من أصناف الناس المتفننون بفنون شتى ومناصب متنوعة.
العدو من الداخل
وضعك الآن اشد من سقوط الأندلس وفلسطين وسائر الممالك الإسلامية الشهيرة المرموقة ، فتلكم قد سقطوا جميعهم في حقب ضعف وهوان وذلة ومن قبل عدو واحد من الخارج ، وأنت تسقطين الآن وفي عصرنا ووقتنا ، ونحن نشاهد ونرى بأم أعيننا ولكن عدوك وعدونا هذه المرة ليس من خارجك انما من داخلك ومن جلدتنا ، يمزقك ومن يعيش معك .
الأمام الشافعي
يابغداد لم نعش عصورك الزاهرة ولكننا قرأنا عنك في كتب التاريخ والتراجم وكتب الحديث النبوي وغيرها من الكتب ، التي حفلت بذكرك وبالإشادة بك وسرور من عاش على ظهرك فقد ذكروا لنا نقلاً عن الإمام الشافعي وهو يحدث صاحبه العالم المصري يونس بن عبد الأعلى يايونس دخلت بغداد ؟ قال قلت : لا : قال : مارأيت الدنيا ولارأيت الناس.
خسف مسخ
ولكنك اليوم كما وصفك ذلك الرجل الذي رآه سماك بن حرب ( من كبار التابعين ) عند موضع يقال له القعر وعنده قوم من أهل بغداد فجاء رجل حتى وقف على فرس له على دجلة من ذلك الجانب فأقحم فرسه الماء فشق الماء شقاً حتى وقف على القعر . فقال : لعنك الله من قرية ، ماأجمعك لخبيث البلدان ! وأجمعك للمال الحرام ! وأسفكك للدم الحرام ! ثم غاب بفرسه فذهب في الأرض قال سماك : والهفتاه ألا سألته أي قرية هي ؟ ثم انصرف سماك إلى ابن هبيرة ( الوزير ) فأخبره ثم عاد من قابل فجاء ذلك الرجل حتى قال ذلك القول ثم غاب في الماء فذهب حتى إذا كانت الثانية رجع الرجل فصنع صنيعه الأول فؤثب إليه سماك حتى تعلق بدابته فقال : ياعبدالله أي قرية هذه ؟ قال : بغداد أما أنه سيصيبها خسف ومسخ . فخرج سماك عنها ومايرى إلا أنه سيصيبه بعض ماقال الرجل .
مجد وطهر
ردها الله إلى عز مجدها وطهرها من طغاة نجسوها بعد طهر وجمع فيها الطيبين والطيبات بعد دحر عدوهم باذن رب عزيز مقتدر . ومن أجمل ماقيل في فضلها وأهلها نقتطعه لهذا المقام :
على بغداد معدن كل طيب ومغنــــى نـــــزهـــــة المنـتــزهــينا
سـلام كلما جرحـت بلـحظ عيــــون المشتهـــين المشتـــهينا
دخلنــا كارهــين لهـا فلما ألفناهـــا خــرجنـــا مكـرهينــا
وماحــب الديـار بنا ولكــــن أمرّ العيش فرقة من هوينا
وسبحان المعزالمذل مغير حال الناس إلى حال.
*رئيس مركز المخطوطات والتراث ومجلة تراثنا