استيحاء طراز البيت الكويتي القديم
في مشوار البحث المضني عن التصميم الأمثل لبناء بيت العمر
تراثنا _ عبدالله صالح البريه * :
أعيش هذه الأيام في خضم تصميم منزل الحلم ،وهذه تجربتي الثانية ، بعد تجربة لم تكلل بالنجاح ، لكوني غير مختص في العمارة ، وقررت أن لا أقع في ذات الخطأ السابق .
البريه يتحدث عن تجربته :
-
أسرتني تصاميم بيوت القرية التراثية في فيلكا بطرازها الكويتي القديم المستوحى من المنزل الطيني .
-
جمع الليوان والحوش بين الظل والشمس وتدفق الهواء بين أرجاء البيت معطياً بعداً جمالياً للرؤية .
-
استخدام المواد الطبيعية في البناء والأسقف والنوافذ اعطى دفء وحميمية للعودة إلى الطبيعة .
فاستعنت بالله ، وكرست فترة ثمانية أشهر تقريباً في فهم العمارة ، وانماط التصاميم ، و الأسس الصحيحة وغيرها ، وحصلت على قدر كبير بفضل الله من المعلومات القيمة ، فشيء استفدته من خلال دورات ، وشيء من خلال القراءة ، وآخر من خلال متابعة المختصين بشغف .
بينما أنا في هذه الدوامة ، طرأ على بالي أن اختار مكانا لأقضي به اجازة العيد ، مع اسرتي ، بعد ضغط الدراسة ، وتجهيزات شهر رمضان المبارك ، فوقع الاختيار على استئجار منزل تراثي في جزيرة فيلكا ، وكانت هذه التجربة الأولى لافراد اسرتي لزيارتها .
وما أن وصلت القرية التراثية ، وقعت عيني على بيوتها المصممة على الطراز الكويتي القديم ، إلا وانتابتني لحظة انشراح ، كنت اجدها وانا ابحث عن التصاميم لمنزلي ، حيث كانت تأسرني تلك المنازل ، الريفية البسيطة ، التي استوحى مصمموها الغربيون طرازها ، من منازل شبيه بالبيت الخلبجي الطبني .
ولحظة استقبالي للمدربان المؤدي لبيتنا المستأجر ، عادت بي الذكرى لتلك البيوت المرسومة التي كنت اشاهدها على شاشة التلفاز أو في الجرائد والمجلات التراثية للمنزل الكويتي التراثي .
فسرت حتى بلغت باب الدار ، وفتحتها فإذا بي اقع أسيراً لجمال التصميم المعماري للبيت التراثي ، فأخذت اقلب ناظري في كل زاوية منه ، متأملاً أدق تفاصيله ، مشدوهاً بالعناصر المعمارية الجميلة التي تضمنها ، والمفقودة من انماط منازلنا الحديثة .
جتى أن بعض من كان معي يتحدث إلي ، وأنا منشغل عنه لأخذ بعض الصور الجميلة للبيت ، ولا أعني ها هنا أناقة الأثاث وفخامتة ونظافته لا .. ولكن الاجزاء المعمارية التي اشغلني جمالها عن مستوى الأثاث .
وانقل باختصار بعض هذه الجوانب التي ايقنت اهميتها ، من خلال ما استفدته من معلومات خلال فترة الاستعداد والتصمبم – وان كنت لست معمارياً – فعلى سبيل المثال :
1- الحوش : أول ما فتحت الباب الرئيسي ، كان باستقبالي ليوان مؤدي ومطل على فناء البيت ( الحوش ) ، فمساحة الحوش تقريبا ( 5.2 ) متراً عرضاً ، و( 5.7 ) متراً طولاً ، أي بمساحة صالة في شقة تقريباً ، وعلى الرغم من صغر مساحة البيت ككل ، حيث يحتوي على غرفتين وصالة ، بالإضافة إلى حمام ومطبخ ، إلا إن الحوش اعطاه انشراح ، وأليكم بعض الصور التي حاولت أن التقطها ، معتبراً عما اختلجني من مشاعر .
طالع : دراسة في حلقات عن مكونات البيت الكويتي القديم
2 – الليوان : وهو الممر المظلل الذي يربط بين الغرف ومرافق البيت ، وهو ما زاد من جمال البيت ، حيث جمع بين الشمس والظل ، موجداً منطقة مريحة للجلوس ، والاستئناس بالهواء المتدفق إلى البيت من جميع الانجاء ، ونلاحظ محور الحركة في المنزل ، كيف اعطي بعداً بصرياً له ، جعل من هذا البيت الصغير مأوى ، تستطيع أن تعيش فيه أسرة دون الشعور بالانحباس بين جدران الشقق التي نعاني منها .
3- تقسيمة البيت : ينفسم البيت كما بينت آنفا إلى غرفتي نوم ومجلس ( ديوان ) ، ودورة مياه ، ومطبخ ، تحيط بالليوان والحوش ،من ثلاث جهات بطربفة تمكن للهواء من أن بدخل الغرف، بالاضافة إلى أشعة الشمس ، فلا تكاد أن ترى جزء من البيت مظلم ، ولا تخفى أهمية ذلك .
أهم العناصر المعمارية التي اعجبتني كثيراً في تصميم البيت الكويتي القديم :
- استخدام مواد طبيعية في البناء ، فقد تم ادخال الأخشاب في بنائ الاسقف والابواب والنوافذ، حيث اعطت الشعور بالدفء وحميمة العودة للطبيعة ، لم يقتصر دور المواد الطبيعية في البناء المعاصر على الحاجة لتوفير مواد البناء ،كما هو الحال في السابق ،وإنما تعدى ذلك لإيجاد الأثر النفسي السليم على عمار البيوت ، أن لتلك العناصر الطبيعية بعداً عميقاً في النفوس ، تعجز عن التعبير عنه ، سواء انتبهنا له أم لا .
- وضع النباتات والاشجار وتوزيعها في فناء البيت والممرات بصورة جمالية ، والتي اوجدت مسكناً للطيور المغردة ، التي تطرب سكان البيوت بجميل انغامها بكرة وعشية .
- توزيع النوافذ بصورة تسمح بدخول الشمس للغرف في اغلب الأوقات ويتجدد الهواء .
- الإضاءة الكهربائية الهادئة .
- اللوحات الفنية الطبيعية التي رسمت بمداد أشعة الشمس والظلال على جدران المنزل واجزائه .
- الالوان الطبيعية التي تتجانس مع البيئة بعيدا عن الضوضاء البصرية كما يشاهد من الصور السابقة .
وختاماً لا يسعني إلا ان اتقدم بالشكر الجزيل لكل المعماريين والمصممين اصحاب الحسابات التي تابعتها خلال الفترة الماضية ، حيث كان لطرحهم الأثر القيم البالغ علي في تغيير مفهوم البيت ، والعناية باختيار العناصر الهامة ، التي لها الاثر في جودة الحياة ، وتخطي عقبة المساحات الضائعة ، التي حجبت الكثير عن الاهتمام بتصميم منازلهم ، وفق الاسس المعمارية الصحيحة .
ولا تزال ، وللأسف هذه العقبة ، هاجساً لدي البعض ، حتى باتت بعض المنازل أقرب للتوابيت من كونها ملاذاً تلجأ إليه للراحة والأن بعد يوم شاق من الاعمال البومية .
تمنياتي للجميع دوام الصحة والعافية..
القرية التراثية – جزيرة فيلكا
15 مايو 2021 م
3 شوال 1442 هجرية
*باحث في التراث الكويتي ( العمارة الكويتية )