إنتقاءات من مجلة تراثنا
بلدان ومواقع
تراثنا – الشيخ حسن العطار (*) :
وأما بركة الأزبكية ، فهي مسكن الأمراء ، وموطن الرؤساء ، قد أحدقت بها البساتين الوارقة الظلال ، العديمة المثال ، فترى الخضرة في خلال تلك القصور المبيضة ، كثياب سندس خضر على أثواب من فضة ، يوقد بها كثير من السرج والشموع .
فالأنف بها غير مقطوع ولا ممنوع ، وجمالها يدخل على القلب السرور ، ويذهل العقل ، حتى كأنه من النشوة مخمور ، ولطالما مضت لي بالمسرة فيها أيام وليالي ، هن في سمط الأيام من يتيم اللآلي ، وأنا أنظر إلى انطباع صورة البدر في جناتها ، وفيضان أجين نوره على حافاتها ومساحاتها .
والنسيم بأذيال ثوب مائها الفضي لعاب ، وقد سل على حافاتها من تلاعب الأمواج كل قرضاب ، وقامت على منابر أدواحها ، في ساحة أفراحها ، مغردات الطيور ، وجالبات السرور ، ولذيذ العيس بها موصول ، وفيها أقول :
بالأزبكية لي مسرات
ولذ لي من بديع الأنس أوقات
**
حيث المياه بها والفلك سابحة
كأنها الزهر تحويها السماوات
**
وقد أدير بها دُور مشيدة
كأنها لدور الحسن هالات
**
مدت عليها الروابي خضر سندسها
وغردت في نواحيها حمامات
**
والماء حين سرى رطب النسيم به
وحل فيه من الأدواج زهرات
**
كسابغات دروع فوقها نقط
من فضة واحمرار الورد طعنات
**
مرابع لظباء الترك احتها
وللأسود بها فيهن غيضات
**
وللنديم بها عيش تجدده
أيدي الزمان ولا تخشى جنايات
**
يروح منها صريع العقل حين يرى
على محاسنها دارات زجاجات
**
وللرفاق بها جمع ومفترق
لما غدت وهي للندمان حانات
انتقاء من تراثنا العدد 83
إضغط الغلاف للمزيد
هامش :
(*) الشيخ حسن العطار – يرحمه الله – شيخ الجامع الأزهر – متوفي سنة 1250 هجرية
-منتقى من مجلة الزهور : السنة الأولى ص 261-1910م .
-إهداء من صاحب دار صادر ، بيروت عام 1996 ، للدكتور محمد بن إبراهيم الشيباني رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .