دفاعا عن السنة النبوية (1)
الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام
تراثنا – التحرير :
مما عمت به البلوي لدى المتأخرين ، إبطالهم العمل بالسنة النبوية ، بزعم أن آحاديث الآحاد الصحاح لا تثبت بها عقيدة ، وبدلا من ذلك قدموا قواعد أصولهم المذهبية بمقياس أو راي أو قول عالم ، على حديث الآحاد ، ورده إذا خالف أصولهم !! ( بحوث عن الألباني ) .
كما عمل البعض على رد الحديث المتضمن حكماً زائداً على نص القرآن ، بدعوى ذلك نسخ له ، والسنة لا تنسخ القرآن ، ومنها تقديم عمل أهل المدينة على الحديث الصحيح ، والتقليد مذهبا وديناً ، ” ولو تتبعها المتتبع لربما بلغت الألوف ( الأحاديث ) كما قال ابن حزم رحمه الله ” (1).
-
يسعي بعض أصحاب الأهواء إلى إقصاء العمل بالشريعة الإسلامية بالاستناد على قواعد مذهبية من شأنها تعطيل العمل بالقرآن وأغلب السنة .
-
جماهير العلماء لا يفرقون بين الحديث المتواتر والآحاد ويخالفون القواعد المذهبية التي تقدم القياس وراى عالم على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .
-
ابن القيم : دُفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كذا وكذا ، رد : من قال بهذا ؟ دفعاً في صدر الحديث !!
-
من الجهل القبيح إذ يُعتقد أن الاجماع منعقد على مخالفة السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم !
ويُلاحظ أن هذه الدعاوي الباطلة ، اصبح لها سوق رائجه لدى المغرضين وأصحاب الأهواء هذه الأيام ، تقرباً إلى سلطان أو تحقيقاً لمكاسب فئوية طائفية ، أو ممن لا يرتضون العمل بسنن الرسول عليه الصلاة والسلام ، من أمثال القرآنيين وسواهم من اصحاب الملل والنحل القديمة والمستحدثة .
خاصة ممن يقفون في وجه العمل بالشريعة الإسلامية قلباً وقالباً ، فأصبحت هذه الدعاوي مسوغاً شرعياً لهم ، يتلقفونه ويحتجون به ، بدعوى أنهم لا يقبلون من الأحاديث إلا المتواترة ، لعلمهم أن في ذلك أقصاء تفعيل القرآن الكريم نفسه ، وتعطيل العمل بالغالبية العظمى من أحكام السنة النبوية الشارحة لنصوصه ، ومناسبات نزوله وغيرها ،، غير أن ذلك يظهر هؤلاء المغرضين في نفس الحين في صورة المخلصين الحريصين على الإسلام !!
في حين أن العهد الأول من الصحابة رضوان الله عليهم ، وما تبعهم في القرون الثلاثة الأولى، من سار على هداهم ، لم يفرقوا بين متواتر وآحاد ، طالما صح نقله عن الرسول عليه الصلاة والسلام .
الألباني والدعاوي الباطلة
وقد تصدى علامة الشام المحدث ناصر الدين الألباني – يرحمه الله – لمثل هذه الدعاوي الفاسدة ، وناقشها وأبطلها بالحجة والبرهان، مستنداً على وأقوال التابعين والعلماء الأعلام ، نقتطف منها ما ورد في الفصل الثاني من رسالته ( الحديث حجة بفنسه في العقائد والأحكام ) من محاضرة ألقاها في مؤتمر الطلبة المسلمين في غرناطة ( أسبانية ) في رجب 1392 هجرية ( 1972 م ) .
بطلان تقديم القياس وغيره على الحديث
تحت عنوان الفصل السابق ، يقول الألباني – رحمه الله ما نصه : إن رد الحديث الصحيح بالقياس أو غيره من القواعد التي سبق ذكرها مثل رده بمخالفه أهل المدينة له ، لهو مخالفة صريحة لتلك الأحاديث المتقدمة القاضبة بوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة عند الاختلاف والتنازع .
لم يتفق عليه العلماء
ومما لا شك فيه عند أهل العلم أن رد الحديث لمثل ما ذكرنا من القواعد (2) ، ليس مما اتفق عليه أهل العلم كلهم ، بل إن جماهير العلماء يخالفون تلك القواعد ، ويقدمون عليه الحديث الصحيح ، اتباعاً للكتاب والسنة .
كيف لا مع أن الواجب العمل بالحديث ، ولو مع ظن الاتفاق على خلافه ، أو عدم العلم بمن عمل به ، قال الامام الشافعي – يرحمه الله – في الرسالة ( ص 423 / 164 ) : ” ويجب أن يُقبل حديث الخبر في الوقت الذي ثبت فيه ، وإن لم يمض عمل من الأئمة بمثل الخبر ” ، وقال العلامة ابن القيم في ” اعلام الموقعين ” (1/32 – 33) : ” ولم يكن الإمام أحمد رحمه الله تعالي عليه يقدم على الحديث الصحيح عملاً و لا رأياَ ولا قياساً ولا قول صاحب ، ولا عدم علمه بالمخالف الذي يسميه كثير من الناس إجماعاً ، ويقدمونه على الحديث الصحيح ” ، وقد كذّب أحمد من أدعى الإجماع ، ولم يُسيغ تقديمة على الحديث الثابت .
طالع : العلامة الألباني وتدوين علوم الحديث النبوي .
طالع فيديو :ما حكم من ينكر حديث الآحاد والمتواتر ؟ – الشيخ محمد ناصر الدين الألباني –
طالع حلقات : دراسة تناقش حجية أحاديث الآحاد في العقيدة والأحكام للعلامة الألباني .
طالع : حلقات كتاب تدوين الحديث النبوي في أربعة عشر قرنا كاملة.
طالع : 500 كتاب متاح للباحثين من مكتبة الشيخ عبدالرحمن عبدالصمد .
ويستطرد الألباني قائلا : ” كذلك الشافعي أيضا ، نص في ” رسالتة الجديدة ” على أن ما لا يُعلم فيه بخلاف ولا يقال له إجماع .. ونصوص رسول الله صلى الله عليه وسلم أجلّ عند الإمام أحمد وسائر أئمة الحديث ، من أن يقدموا عليها توهم إجماع ، ما مضمونه عدم العلم بالمخالف ، ولو ساغ لتعطلت النصوص ، وساغ لكل من لم يعلم مخالفاً في حكم مسألة أن يقدم جهله بالمخالف على النصوص .
ويمضي الألباني موضحاً : قال ابن القيم ايضا ( 3/464 – 465) : ” وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، برأي أو قياس ، أو استحسان ، أو قول أحد من الناس ، كائناً من كان ، ويهجرون فاعل ذلك ، وينكروه على من ضرب له الأمثال ، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه وسلم والتسليم ، والتلقي بالسمع والطاعة ، ولا يخطر بقلوبهم التوقف عن قبوله ، حتى يشهد له عمل أو قياس ، أو يوافق قول فلان وفلان ، بل كانوا عاملين بقوله تعالي ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ، ( الأحزاب – 36 ) ، وأمثاله مما تقدم ” .
من اعظم الباطل
ويواصل ابن القيم تشنيعه على معارضة قول الرسول عليه الصلاة والسلام بآخرين فيقول : ” فدُفعنا إلى زمنا إذا قيل لأحدهم : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كذا وكذا ، يقول : من قال بهذا ؟ دفعاً في صدر الحديث ،ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به ، ولو نصح نفسه ، لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل ،وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بمثل هذا الجهل ، واقبح من ذلك عذره في جهله ، إذ يعتقد أن الاجماع منعقد على مخالفة تلك السنة ، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين ، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأقبح من ذلك عذره في دعوي هذا الاجماع ، وهو جهله وعدم علمه من قال بالحديث ، فعاد الأمر إلى تقديم جهل على السنة والله المستعان “.
قلت (الألباني ) : وإذا كان هذا حال من يخالف السنة ، وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها ، فكيف يكون حال من يخالفها ، إذا كان يعلم أن كثيراً من العلماء قد قالوا بها ، وأن من خالفها لا حجة له ، إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها ،أو التقليد على ما سيأتي في الفصل الرابع .
يتبع لاحقا : ( سبب الخطأ في تقديم القياس وأصولهم على الحديث )
هوامش :
1 – ص (24 ) رسالة (الحديث حجه بنفسه ) للالباني .
2- يقصد بالقواعد ما سبقت الأشارة إليه من دعوى عدم العمل بالحديث الآحاد ، وتقديم القياس وقول العلماء وما خالف أصولهم مذهبهم على النص الشرعي..وغيرها مما هو مبسوط شرحه في رسالة ( الحديث حجة بنفسه )وغيرها من كتبه .
هذا الكتاب
( الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ) للعلامة محدث الديار الشامية الشيخ محمد ناصر الدين الألباني – يرحمه الله – رسالة ( كتيب جيب ) في 68 صفحة من الحجم الصغير ، من مكتبة الشيخ عبدالرحمن عبد الصمد – يرحمه الله – من مقتنيات مركز المخطوطات والتراث والوثائق ( قسم المكتبات الأهلية ) .