إنتقاءات أدبية من التراث
تراثنا – بقلم محب الدين الخطيب : آه .. حتى مَ يظل الحق غريباً في معاهدك أيتها الجمعية البشرية ، إلى مَ تبقي التقية – كالجندي الجاهل العنيد – مسيطرة على الصلاح بين أفرادك، ولماذا يُحرج على الصدق أن يخرج بموكبه وتاجه في هذا العالم كما يحب جلاله ؟
متي يا ترى تنشطُ هذه الحقيقة من عُقالها الأزلي ، وهل من أماني هذه الأرض أن ترى كهربائية الصلاح مضيئة في آفاقها قبل أن تسوِد الشمس ؟
آه ، ما أوحش الإنسان وما أقساه : يضم بين ضلوعه عواطف ملؤها الحنان والحب والحقيقة والفضيلة والعدل، وضميراً بيَن هو معيار الإنصاف في هذه الحياة ، وشعوراً هو السيَال الأثيري الذي ملأ ذرات كل شيء .
نعم لقد ضم بين ضلوعه هذه المزايا الفاضلة ، وهو ربها وهو بها العالم الأصغر والنسخة الكبرى لهذه الكائنات ، ولكن أين هذه القوى الملكية ، أليست معه يوم يفعل فظائع الشيطان ، أمَا هي بين ضلوعه عندما يقدم على الشر والباطل ؟
أجل ، هي لا تزال فيه ، ولكنها للأسف والخسران قد صدأت وتولتها رطوبة البُعد عن الحق وسطا عليها غُبار الرذيلة …
كم وكم أيهذى الصلاح يبسم في العالم الإنساني القاتم بريق ضئيل من ذبالتك المعرضة لجميع الأهواء ، من كل الانحاء ، فأريد أن أتبعها ، فلا أجدني إلا بين الأشواك في جانب هوة مدهشة ، يظهر منها التنين وجهنم والغول ، وكل خيالات الوهم و مخوفات الباطل ..
وكم وكم أيهذي الحقيقة عاهدت عواطفي وكل شعوري على إخانك ، على الصدق لكِ وعلى اهداءِ حياتي العزيزة عليَ إليك ، نعم إليك فقط ، إليك وحدك ، فيضطرني هذا الوسط الأسود إلى جناية لا محيص عنها ، فأفعلها ,انا شاعر باحتياج روحي إلى البكاء ، فأرجع إلى نفسي ، وأبكي ، ثم أبكي ، ثم أبكي ، حتى أروي ظماءِي من هذا الاختياج في حين أني عارف تمام المعرفة أن الجناية البشرية لا تبررها قطرات الدمع .
كم وكم أيهذا العدل من دمعة قطرت بيني وبين نفسي وبين عيني بعد جناية ، بعد حادثة مشؤومة ، فذكرت عند ذلك أنني لا أزال أنساناً وحشياً قاسياً في هذه الحياة …
للعلامة محب الدين الخطيب
(القسطنطينية- تركية – 1325 هجري – 1907 ميلادي)
اختيار : د محمد بن ابراهيم الشيباني