مقتطفات من سيرة داعية (الحلقة 3 ) والأخيرة
شهادات تُروى لتبقى موثقة في سجلات التاريخ
تراثنا – التحرير : لا نسعى في هذه السطور لنكأ جراح الماضي ،- باحداثه الحزينة ، ولكن النكبات تكشف عن معادن إصيلة، وابتلاءات تصقل النفوس ، فتعلو رتب البعض عند ربهم ، بينما يُكشف عن زيف دعاوي آخرين ، ومن هذه الشخصيات ، أخونا الداعية الشهيد – باذن الله – خليفة محمود الجاسم – يرحمه الله..
* محمود خليفة الجاسم – يرحمه الله
عادل الدمخي في شهادة للتاريخ
-
عثر العراقيون على منشور في سيارة الجاسم فاعتقلوه وبدأوا بتعذيبه ورفض الإعتراف على مشاركيه مقراً بتحمله كل الذنب .
-
حدثني أحد المعتقلين بأن الجاسم الوحيد بيننا الذي يُعذب، فكان هو الذي يثبتنا على الدين، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا “.
-
.نتفوا لحيته وعذبوه عذاباً شديداً وأجلسوه مغمض العينين في المعتقل واطلقوا على رأسه رصاصة ورموه بالشارع وأبلغوا أسرته بمكانه .
-
حشد ضخم من المصلين توافدوا من كل حدب وصوب شهدوا جنازته وصلوا عليه في منظر مهيب مؤثر ، أحرن أهل الكويت سائلين له الفردوس الأعلى .
ليلة أعتقال الجاسم
يواصل د . محمد بن إبراهيم الشيباني في كتابه ( كيفان أيام الاحتلال نقل شهادة الأخ ( النائب ) عادل الدمخي عن ملابسات يوم اعتقاله فيقول* : ” في ليلة الجمعة ، من الأسبوع الخامس للاحتلال العراقي للكويت ، كان محمود عندنا في السالمية ، يقوم بجولته العادية بين الدواوين ، ولما أراد الرجوع إلى بيته بالقرين ، قال له أحد الأخوة بأن أحكام منع التجول قد فُرضت الليلة ، والوقت متأخر وهناك حواجز للتفتيش ، فأجلس عندنا الليلة ثم ارجع غداً” .
المنشور المنسي
ويستطرد في القول : “ولكنه أصر على الرجوع ، وطلبنا منه التأكد بأنه لا يحمل أي منشورات في سيارته ، حتى لا يتعرض للاعتقال ، قال بأنه قد أخلى سيارته من كل شيء ، وفي الطريق أوقفه العراقيون عند نقطة التفتيش (السيطرة ) ولما فتشوه ، يبدو أنهم عثروا على منشور قد كتبه ، لكنه نسي أن يخفيه أو يتلفه ، فقبضوا عليه “.
التعذيب
وعن ملابسات اعتقاله وظروفها يوضح الدمخي : “ثم أخذوه إلى مخفر بيان ، ثم الجهراء ، وهناك بدأوا بتعذيبه ليعطيهم خير المنشور ، وعمن كتبه وصوره ووزعه ، ونتفوا لحيته وعذبوه عذاباً شديداً ، لكنه كان يصر على أنه وحده هو الذي كتبه وصوره ووزعه ، مع أنه كان يعرف جميع الإخوة الذين شاركوه العمل في الكتابة ونقل السلاح .. وغيره ، ولو أبلغ عنهم لأوقع العشرات منهم في المعتقلات ، وكان يجلس مغمض العينين في المعتقل ” .
ما أصابنا لم يكن ليخطئنا
ويواصل النائب عادل الدمخي في سرد شهادته للدكتور الشيباني فيقول : “حدثني أحد الأشخاص الذين كانوا معه في المعتقل قائلاً : كنا خمسة ومحمود سادسنا ، وكنا في خوف شديد ، وهو الوحيد الذي من بيننا الذي يُعذب ، ومع هذا كله ، فكان هو الذي يثبتنا على الدين والإيمان ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا “.
ليلة استشهاده
وينقل اجواء السجن وحال المعتقلين وظروف مقتل الجاسم موضحاً : ” كان يقرأ علينا الكثير من آيات الذكر الحكيم ، فنقر في أنفسنا ، وتقوي قلوبنا ،ويذهب عنا الروع والخوف ، وفي أخر يوم أمضيناه في المعتقل ، كان محمود منهكاً جداً ، من شدة التعذيب ، وأطلقوا سراحنا ، وتركوه في السجن ، وفي يوم الأثنين أخذوه إلى نفس المكان الذي اعتقلوه منه ، وأطلقوا على رأسة رصاصة ،وألقوه في الشارع ، ثم اتصلوا بنا لأخذه ودفنه ” .
طالع :
- الحلقة الأولى : محمود خليفة الجاسم سيرة دعوته وجهاده (1)
- الحلقة الثانية : محمود الجاسم ورؤيا حور العين وتصديه للاحتلال العراقي (2)
- مدونة ( أسامة راشد ) شهادة طالب تتلمذ على الشيخ محمود الجاسم .
حشود في المقبرة
ويمضي إلى القول : ” وفي مقبرة الرقة ، تجمع أكثر من ثلاث مئة شخص ، أغلبهم من شباب الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، سمعوا بخبر مقتله ، فقدموا من كل حدب وصوب ، من كل منطقة في الكويت ، مع كل الأخطار والمحاذير ليصلوا عليه ، ويواروه التراب ، سائلين الله سبحانه له الفوز بالجنة” .
موكب مهيب
وبقلب يعتصره الألم على رفيق الدرب ، يرخي النائب عادل الدمخي الستار على المشهد الحزين :” كان المنظر مهيباً عظيماً مؤثراً محرناً ، وقد كشفت عن يده في غرفة غسل الموتي ، فوجدت أجزاء من لحمه قد قطعت حول الكوع ،والدم يسيل منها من جراء التعذيب ، بكيت حزناً عندما رأيته بهذه الحالة ، وتذكرت درسه الذي ألقاه علينا في أحكام الجنائز أربع مرات ، في منطقة السالمية .
وعندما تسامع الناس في الكويت بموته، حزنوا عليه حزناً شديداً ، رحمه الله رحمه واسعه واسكنه فسيح جناته وموتانا وموتى المسلمين “.
بعض أعماله في سطور
- أصدر نشرة ” صوت الحق ” بتاريخ 8 /8/ 1990 م .
- وزع مع خليته المنشورات في النهار ويقاتل مع إخوانه المحتل ليلاً .
- عُذب في مخفر بيان ثم نقل إلى محافظة الجهراء .
- كان يهديء من روع المعتقلين معه ، ويقرأ عليهم القرآن ، ومنه سورة الرحمن ويذكرهم بالله تعالي واتباع نبيه عليه الصلاة والسلام وبالتوبة المستمرة .
- الاعتقال يوم الخميس 30 /8/ 1990 م .
- المقتل يوم السبت في 1 من سبتمبر 1990 م .
- إبلاغ أهله بموته يوم الأحد 2 من سبتمبر 1990 م .
- دُفن يوم الإثنين 3 من ستبمبر 1990 م .
- حزن عام عند الناس وأصحابه وإخوانه وأهله وشبابه والدعاة خارج الكويت .
- كان إماماً في أحد المساجد .
- أنشأ مصلى العيد في منطقة السالمية .
- تمنى أن تأتيه طلقه في رأسه وبموت في سبيل الله ،وتحقق له ما تمنى .
نسأل الله تعالى لأخونا محمود خليفة الجاسم ولشهداءنا وموتانا والمسلمين المغفرة والرحمة والفوز بالفردوس الأعلى مع الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام والصديقين والشهداء ،وحسن أولئك رفيقاً.
هذا الكتاب
كتاب ( كيفان أيام الاحتلال – كفاح منطقة ) الجزء الأول ، لمؤلفه د . محمد بن إبراهيم الشيباني ، يقع في 495 صفحة من الحجم الوسط ،الطبعة الأولى (1413 هجرية – 1992 م ) يتضمن وثائق وبيانات وتقارير ورسائل و صور توثيقة لاحداث داخلية في منطقة كيفان أيام الغزو ، بعضها مؤلم فيه تمثيل بجثث الشهداء وتنكيل .
صور من كتاب ( كيفان أيام الاحتلال )
رسم يصور ما تتعرض له المقاومة الكويتية في المعتقلات من تقطيع اجزاء من لحم الجسم
هامش
* كيفان أيام الاحتلال ص ( 465 -467 ) .
صور 🙁 كتاب كيفان أيام الاحتلال ) ، ( مدونة اسامة راشد ) ، ( ارشيف تراثنا ) .
ارسل رسالة من ايران قرأت قصة مقاومة وشجاعة واستشهاد محمود خليفة الجاسم رحمه الله كانت مؤثرة جدا. إذا كانت الكويت مزدهرة وجميلة ، فقد كان ذلك بسبب استشهاد الشهداء ومقاومة شبابها