الحلقة الأولى
مقتطفات من(الفرج بعد الشدة والضيقة)
للكاتب إبراهيم بن عبدالله الحازمي
تراثنا – التحرير :
تقتطف تراثنا من كتاب (الفرج بعد الشدة والضيقة – الجزء الأول) للكاتب إبراهيم بن عبدالله الحازمي ، بعض العبر والسير من تاريخ الأنبياء والرسل والصحابة والتابعين والتابعين والمعاصرين ،ما فيه تثبيت المرء على الابتلاء والمحن ، والصبر عليه ابتغاء الثواب، وترقب الفرج .
قال العلامة ابن الجوزي – رحمه الله – ورزقنا علمه :
بلغني أن رجلاً قدم إلى بغداد للحج ، وكان معه عقد من الحب ، يساوي ألف دينار ، فاجتهد في بيعه ، فلم ينفق – يعني لم يُبع – فجاء إلى عطار موصوف بالخير ، فأودعه إياه ، ثم حج وعاد ، فأتاه بهديه .
فقال له العطار : من أنت وما هذا ؟
فقال : أنا صاحب العقد الذي أودعتك .
فما كلمه حتى رفسه فسة ، رماه عن مكانه ، وقال : تدعي علي مثل هذه الدعوة .
فاجتمع الناس وقالوا للحاجي :
ويلك هذا رجل خير ، ما لحقت من تدعي عليه إلا هذا ، فتحير الحاجي ، وتردد إليه فما زاده إلا شتماً وضرباً .
فقيل له : لو ذهبت إلى عضد الدولة ، فله في هذه الأشياء فراسة .
فكتب قصته وجعلها على قصبة ، ورفعها لعضد الدولة ، فصاح به فجاء، فسأله عن حاله ، فأخبره بالقصة .
فقال : إذهب إلى العطار غداً ،واقعد على دكانه ، فإن منعك ، فأقعد دكان تقابله ، من الصبح إلى المغرب و لا تكلمه ، وافعل ذلك ثلاثة أيام ، فإني أمرَّ عليك في اليوم الرابع ،و أقف وأسلم عليك ، فلا تقم لي ، ولا تردني علي رد السلام ، وجواب ما أسألك عنه ، فإذا انصرفت فأعد عليه ذكر العقد ، ثم أعلمني ما يقول لك فإن أعطاكه فجيء به إلي .
قال : فجاء إلى دكان العطار ليجلس فمنعه ، فجلس بمقابلته ثلاثة أيام ، فلما كان اليوم الرابع اجتاز عضد الدولة في موكبه العظيم ،فلما رأي الخرساني وقف وقال : سلام عليكم .
فقال : الخراساني ولم يتحرك : وعليكم السلام ، فقال : يا أخي تقدم فلا تأتي إلينا و لاتعرض حوائجك علينا ، فقال كما اتفق ولم يشبعه الكلام وعضد الدولة يسأله ويستخفي وقد وقف العسكر ، والعطار قد أغمي عليه من الخوف ، فلما انصرف التفت العطار إلى الحاجي فقال :
ويحك متى أودعتني هذا العقد ، وفي أي شيء كان ملفوفاً ، فذكرني لعلي أذكره ، فقال : من صفته كذا وكذا ، فقام وفتش ، ثم نقض جره عنده ، فوضع العقد ، فقال : قد كنت نسيت ، ولو لم تذكرني في الحال ما ذكرت ، فأخذ العقد ، ثم قال : وأي فائدة لي أن أعلم عضد الدولة ، ثم قال في نفسه : لعله يريد أن يشتريه ، فذهب إليه فأعلمه ، فبعث به مع الحاجب إلى دكان العطار ، فعلق العقد في عنق العطار وصلبه بباب الدكان ، ونودي عليه : هذا جزاء من استودع فجحد .
فلما ذهب النهار ، أخذ الحاجب العقد ، فسلمه إلى الحاجي ، وقال : إذهب ، فخرج فرحا مسروراً بعودة ماليه إليه (1) .
كاتب وكتاب
كتاب (الفرج بعد الشدة والضيقة -الجزء الأول) بقلم الكاتب إبراهيم بن عبدالله الحازمي -الطبعة الأولى لعام ( 1412 هجري -1991 م،) ،212 صفحة من الحجم الصغير – طباعة المديرية العامة للمطبوعات بوزارة الإعلام ، مهداة من المكتبة الخاصة للسيدة طيبة التمار “يرحمها الله ” لمكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق (الكويت) .
هامش :
1- الأذكيار لابن الجوزي ص : 60-61 بتصرف يسير .