الحلقة الأولى
العمانيون والخليجيون تعلموا وعملوا في الكويت وتصاهروا مع أهلها
تراثنا – سعود أحمد البلوشي (*) :
شكلت طفرة نهضة دولة الكويت التي سبقتها استشكافات نفطية ، تكللت بالإيذان بتصديره في أول دفعة للخارج عام 1946 في عهد الشيخ أحمد الجابر الصباح، شكلت حادثاً لافتا في المنطقة، حظى باهتمام واسع لدى أهالي الجزيرة العربية على وجه الخصوص.
لم تتوقف الفرحة الغامرة بالتغييرات الجديدة على أهل الكويت وحدهم ، بل امتدت البهجة لآخوانهم وأهاليهم في النسب والدين في الجزيرة العربية.
ما حدا بكثير من أبناءها إلى السفر لإمارة الكويت ( مشيخة حينها) بحثاً عن فرص عمل مناسبة لكسب المال والعيش الكريم ، ومشاركة أخوانهم في الرزق الذي حباهم به الله .
-
نظراً للتدهور الاقتصادي سافر عمانيون عبر المراكب الخشبية إلى الكويت والعمل في دوائرها الحكومية وشركات النفط .
-
والدي أحمد إبراهيم الأميري تدرب على التمريض وعمل ممرضاً في شركة نفط الكويت وعاد للبلاد مزاولاً لمهنة الطب.
-
صداقات ومصاهرات ربطت بين أهل الكويت وعمان ومنها صداقة بين والدي ورجل الأعمال الكويتي مراد يوسف .. وغيرهم.
-
عاد العمانيون من الكويت إلى البلاد محملين بخبرات ومعارف اكتسبوها من اختلاطهم بالاجانب في شركات النفط وغيرها .
تدهور اقتصادي
ولايغيب عن علم الكثيرين أن الاوضاع في تلك الحقبة التاريخية متدهورة أقتصادياً في المنطقة عامة ، وفرص العمل نادرة وغير متوفرة ،غير أن الاستشكافات النفطية في الكويت والمملكة العربية السعودية ، كانت حافزاً لقصد البلدين من بقية ابناء المنطقة طمعاً في تغيير أوضاعهم المادية للأفضل .
ورغم عدم توفر مطارات السفر في تلك البلاد ، وندرة توفر السيارات ، إن لم تكن معدومة أصلا ، فكان السفر يتم عبر البحر بسفن خشبية معدة لاغراض النقل والتجارة، حيث كانت هي الطريقة الأمثل للوصول إلى الكويت، التي تقع في اقصى شمال شرق الجزيرة العربية .
العمل في دوائر الحكومة والنفط
وهو ما تحقق بالفعل ، حيث استقبلت الكويت اخوانهم في المنطقة والسلطنة ، فعمل أهل سلطنة عمان في مختلف فرص العمل المتاحة في الدوائر والوزارات الحكومية والقطاعات الخاصة، وبالذات في شركات استخراج النفط ،منها شركة نفط الكويت وشركة غالف الأمريكية للزيوت وشركة النفط البريطانية BP .
ومن الدوائر الحكومية (وزارات حاليا) التي عمل بها العمانيون في الكويت دوائر المعارف الكويتية والصحة العامة والداخلية وغيرها من الوزرات ، مما ساعدهم في توفير حياة كريمة لعائلاتهم في بلدهم ، وبناء منازلهم من المواد الثابتة ،وإقامة مشاريع تجارية خاصة بهم .
ومن هؤلاء الذين سافروا في مطلع الخمسينات من عمان إلى الكويت الوالد أحمد إبراهيم مير شاهين الأميري البلوشي- رحمه الله – فعمل ودرس في دولة الكويت، حيث التحق منذ عام ١٩٥١م في شركة النفط الكويتية المحدودة، وزاول عمله في مستشفى تابع لهذه الشركة ، حيث تعلم مهنة التمريض ، وعمل بصفة ممرض.
صداقة مع التاجر مراد يوسف
وكان – يرحمه الله – يدرس في الفترة المسائية في مدرسة تابعة لشركة النفط الكويتية ، حيث كانت الدراسة باللغتين العربية والأنجليزية ، مما زاد من احتكاك الوالد بالأجانب في الشركة ، وكسب خبرات كثيرة منهم .
ومن الشخصيات الكويتية التي كان يذكرها لنا الوالد في حديث ذكرياته ،ارتباطه بصداقة مع تاجر كويتي معروف يدعى مراد يوسف..ولا يحضرني لقب عائلته ، ولعله التاجر المعروف مراد يوسف بهبهاني ،وهو أمر معتاد ، حيث كثير من أهل السلطنة العاملين في الكويت كونوا صداقات ودية، وبعضها تجارية، ومصاهرات مع عوائل كويتية .
العودة إلى عمان
وبعد مرور خمس سنوات من العمل غادر الكويت ، عائداً إلى ارض الوطن عُمان ، حيث استغل خبرته التمريضية التي اكتسبها في الكويت ، وعمل كطبيب في منطقة شمال الباطنة وفي معظم ولاياتها ، نظراً لعدم توفر مستشفيات آنذاك ، إلا مستشفى واحد .
وكان الوالد في تلك الفترة يسكن في الرميلة التابعة لولاية لوى ، وأيضا منطقة حسيفين التابعة لولاية شناص ، التي تبعد حوالي 280 كليومتر عن العاصمة مسقط ، حيث استمر في عمله كمهنة طبيب لفترة طويلة حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين .
الوفاة والذرية
توفى الوالد احمد ابراهيم مير شاهين الأميري البلوشي عام 1996م عن 69 عاما تقريباً – طيب الله ثراه – وقد حباه الله بأربعة أبناء ذكور هم : إبراهيم ويوسف وسعود وعبدالسلام ،كما له من الأحفاد حوالي السبعين حفيد ، منهم من يعمل في الدوائر الحكومية ،ومنهم من يكمل دراسته الجامعية والثانوية، ومنهم في باقي المراحل الدراسية الآخرى.
أما أنا سعود ، فأحتل الترتيب الثالث بين الأبناء ، وزرت الكويت حوالي ثلاث مرات ، وأن شاء الله تكون لي زيارات قادمة لدولة الكويت ، تجدر الإشارة أنه كان للوالد – يرحمه الله – الكثير من الأصدقاء واخبرنا عنهم ونحن في صغرنا ولكن للأسف لا نتذكر اسمائهم، لنتمكن من زيارتهم ، وتجديد صلات الود الذي كان بينهم والوالد – يرحمه الله .
طالع الحلقة الثانية :
عُمانيون بين ذكريات العمل في الكويت وتهديدات قاسم بالإحتلال !
وثائق العمل في الكويت والذكريات
مرفق بعض الوثائق الشخصية والصادرة من شركة النفط الكويتية المحدودة التي توثق عمل الوالد لديهم في تلك الفترة .
إحدى هذه الوثائق عمرها حوالي 71 عاماً، والوثيقة الثانية عمرها حوالي 67 عاماً ، وهي تعد بالنسبة لعائلتنا إرث يعيد ذكرى علاقة الود والترابط بين أهل الكويت وسلطنة عمان في سابق العهود ، كما تمثل وثائق تاريخية لعمل الوالد في شركة نفط الكويت المحدود في حقبة ماضية من الزمن الجميل .
(*) : سعود أحمد إبراهيم مير شاهين الأميري البلوشي : باحث في الشأن التربوي والتاريخي في سلطنة عمان .
يتبع لاحقا ..
تواصل مع تراثنا