قراءة في كتاب
بطولات إسلامية
تراثنا – التحرير :
سلط كتاب (عمر المختار .. المجاهد والقائد ..هابه خصومه ومؤيدوه حيا وميتا) على جوانب قد تكون خافية في بعض جوانبها عن الباحثين ، فيما ابرزت دور المختار مجاهدا أبيا جلدا يعد انموذج للمجاهدين الصادقين في قيادته وعدم خنوعه لبريق واغراءات العطايا التي عرضها عليه المحتل الإيطالي فيما سقط أخرون في حبالها .
الكتاب من تحرير د . محمد بن إبراهيم الشيباني رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق بالكويت، سعى من خلاله توثيق مراحل من الثبات والتصدي للمحتل ، فيما سلط الضوء أيضا على خفايا خلف الكواليس لم تكن متداولة سوف نأتي على ذكر بعضها سريعا في هذا العرض.
عمر بن مختار بن عمر المنفي (عمر المختار) : اشهر مجاهدي طرابلس الغرب في حربهم مع المستعمرين الإيطاليين ، نسبته إلى قبيلة “المنفة ” من قبائل بادية برقة، وُلد في البطنان ، وتعلم في الزاوية السنوسية بالجغبوب ، وأقامه محمد المهدى الأدريسي شيخاً على ” زاوية القصور” بالجبل الأخضر بقرب المرج .
وسافر معه إلى السودان سنة “1312 هجري – 1894م” ، فأقيم بها شيخاًً لزاوية “كللك” إلى سنة “1321 هجري – 1903م” ، وعاد إلى برقة شيخاً لزاوية القصور ، فأقام إلى أن أحتل الطليان مدينة بنغازي سنة “1329 هجري – 1911م” ، فكان في طليعة الناهضين للجهاد .
معارك طاحنة
وطالت الحرب ، وتتابعت المعارك ، ومنطقة المختار ثابتة منيعة ، وتهادن الإيطاليون والطرابلسيون سنة “1340 هجري – 1921م” ودب الخلاف في زعماء طرابلس وبرقة ، وتجددت المعركة مع الإيطاليين ، ونفض الأدارسة يدهم منها ، فتولى عمر قيادة “الجبل الأخضر ” وتلاحقت به القبائل ، واتفق الرؤساء على أن يكون القائد العام والرئيس الأعلى للمجاهدين .
وهاجمتهم القوي الإيطالية، فردوا هجومها ، وغنموا منها آلات حربية ومؤناً غير قليلة ، وأشهر ما نشب من المعارك معركة “الرحيبة” و “عقيرة المطمورة ” و ” كرسِّة” وهي أسماء أماكن في الجبل الأخضر ، ونُسبت إليها تلك الوقائع .
وقوع المختار في الأسر
ويقول غراسباني القائد العام الإيطالي في بيان له عن الوقائع التي نشبت بين جنوده والسيد عمار المختار : إنها ” كانت 263 معركة خلال عشرين شهراً ” هذا عدا ما خاضه المختار من المعارك خلال عشرين سنة قبلها ، وبينما هو في سرية من رجاله ، نحو خمسين فارساً ، بناحية ” سلطنة “بالجبل الأخضر ، يستكشف مواقع العدو ، فوجئ بقوة إيطالية أحاطت به ، فقابلها واستشهد أكثر من معه ، وأصيب بجراح ، وقُتل جواده ، فانقض عليه بعض الجنود فأسروه ، وهم لا يعرفون من هو ، ثم عُرف وأرسل إلى سوسة ، ومنها أركب الطراد ” أوسيني” إلى بنغازي ، وسجن أربعة أيام ، وسُئل عن أعماله فأجاب بالإيجاب ، غير هيّاب ، فقُتل شقناً في مركز “سلوق” ببنغازي ، وأخباره كثيرة ، بعضها مدَّون ، وممن رثاه الشاعران شوقي ومطران .
الدولة العثمانية والجهاد في ليبية
وعن علاقة الدولة العثمانية بالجهاد في ليبيا ، نوه المؤلف د .الشيباني إلى أن الدولة العثمانية نشرت بتاريخ 5 من ذي الحدة 1330 هجري – 1912 م ، فرمانها بمنح الاستقلال التام لولايتها طرابلس الغرب وبنغازي ، ومما جاء في ختامه (..وبناء على أمنيتنا في تقرير الصلح ، وسعادة الحال في بلادك ،واستناداً إلى ما لنا من حقوق وسيادة ، أمنحكم وأعطيكم مختاريه تامة .
وبهذا أُسدل الستار على الوجود التركي العثماني في ليبية تحت ضغط البنود السرية التي أُلحقت بمعاهدة لوزان (أوشي) عام 1912م بين الأتراك العثمانيين والمملكة الإيطالية ، وفي اليوم التالي نشرت أيطليه بيانها بفرض الحماية على ليبية ..(ص15).
نشيد العلم يحرض على محو القرآن !
برغم دعاوي العالمانية والمدنية التي تزعمها ،كشفت إيطالية عن وجهها الطائفي الديني في معاركها الدائرة في ليبيا ، إذ كان النشيد القومي الطلياني يحث على التحريض على قتل المسلمين ومحو القرآن !
وفي هذا الصدد أوردت جريد الشرق في عددها “543 “عن العلامة ألأمير شكيب أرسلان ترجمة نشيد العلم الطلياني في تلك الحقبة نقتبس بعض مما جاء في نصه :
يا أماه أتمي صلاتك ولا تبكي .. بل أضحكي وتأملي ..
ألا تعلمين أن إيطالية تدعوني وأنا ذاهب إلى ” طرابلس “
فرحا مسروراً لأبذل دمي في سبيل الأمة الملعونة (هكذا) !
ولأحارب الديانة الإسلامية التي تجيز البنات الابكار للسلطان !
سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن (كذا) !
ثم يقول : ..وأن سألك أحد عن عدم حدادك علي فأجيبيه :
إنه مات في محاربة الإسلام !
شعارات الجهاد
يذكر ان السيد أحمد الشريف السنوسي (1879 – 1933م) – يرحمه الله – قائد الجهاد الليبي بادر فور إعلان تركية البدء بسحب قواتها من ليبية إعلان قيام الحكومة السنوسية لتسد الفراغ المترتب على انسحاب تركية ، وكان شعارها “الجنة تحت ظلال السيوف” و “يا قومنا أجيبوا داعي الله ” و” بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وعلى سيدنا محمد وصحبه وسلم ” ..
أتاتورك يدعو الشريف للخلافة الإسلامية !
الكتاب حافل بالمفاجآت ، ربما أحدها ، منها ما نوه إليه د . الشيباني ،من إشارات تفيد بأن كمال أتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة قد عرض الخلافة على السيد أحمد الشريف (الزاوي ، 1970 ، 291) ، وأنه لما رفضها تجمعت ظروف دولية ، جعلت أتاتورك يقرر إلغاء الخلافة الإسلامية ص 13 !
المختار : لست للبيع !
وتطرق المؤلف إلى محاولات إيطالية لتوريط عمر المختار – يرحمه الله – في مفاوضات لشق صف المجاهدين وفق سياسية ( فرق تسد ) إلا أن كل المحاولات فشلت ، لحرص المختار على ألا يكون له إية صلة بهذه المفاوضات .
ومن محاولات شق الصف ، عرضت إيطالية في اجتماع عقد بشرق المرج راتباً خيالياً على عمر المختار ،و قدره خمسون ألف ليرة إيطالية ، أي ما يعادل آنذاك 625 جنيها مصرياً ، ويُعد أعلى الرواتب تدفعه لموظفيها الكبار ، وكان رده ” إنني ما قبلت هذا الاجتماع مع الوفد الإيطالي لأستمع إلى هذه المهازل ولست أحارب الطليان من أجل الوصول إلى هذه الترهات …إن البحث يجب أن يكون حول قضيتنا الوطنية كاملة غير منقوصة وإلا فأنني سأضطر إلى إنهاء الاجتماع الذي ما كنت أتصور أنه سيكون هكذا “.
عار لن يُمحى
وكان لصدى إعدام المجاهد عمر المختار -يرحمه الله – في سن التسعين عاماً أصداء واسعة ، فجعت العالم العربي والإسلامي ، وتناوله السياسيون والأدباء والإعلاميون بالاستنكار والشذب والانكار ، بينما دبج له الشعراء وعلى رأسهم أحمد شوقي أبيات شعرية ترثي الفقيد وتشيد بجهاده وثباته على الحق حتى الاستشهاد.
مجلة الكويت والعراقي
ومن جهتها ، عبرت مجلة “الكويت والعراقي” لصاحبيها المؤرخ الكويتي عبدالعزيز الكويتي ، والسائح العراقي عن بالغ الألم لخبر اعدام المجاهد المختار ، ومما جاء فيها : في ذمة الله يا عمر ، لقد ذهبت إلى حيث الراحة الأبدية والسعادة الخالدة ..فصلوا روحك الكبيرة عن جسدك يا عمر : فأمسى ذلك الجسد الذي لا يعرف الراحة هادئا مطمئناً في جوف الأرض التي انت منها ،و نحن أيضا .. ذهبت ضحية الغدر ،واستشهدت في سبيل الوطن .. ومما زادنا ألماَ يا عمر أنك لم تستشهد في ساحة القتال فتخف مسؤولية القتلة نوعاً ما ، ولكن أبت العناية ألا أن يقتلوك ظلماً وعدواناً فيسجلوا على أنفسهم عاراً لا يمحى وجريمة لن تغتفر (الكويت والعراقي ، 10/ 177 مج2) .
والمزيد
ويتطرق الكتاب إلى توثيقات عدة ، بعضها تفرد به ولم يسبق الإشارة إليه موثقة بالصورة والمصادر والخرائط ، بالإضافة الى الملاحق ..
كاتب وكتاب
انتقاءات من كتاب (عمر المختار المجاهد والقائد .. هابه خصومه ومؤيدوه حياً وميتاً) تحرير : د . محمد بن إبراهيم الشيباني ، الطبعة الأولى ( 2023م) ، يقع في 125 صفحة من الحجم الوسط ،إصدار (قسم التاريخ الإسلامي ورجاله) بمركز المخطوطات والتراث والوثائق – الكويت .
تواصل مع تراثنا
أتاتورك والثورة الليبية, أحمد الشريف السنوسي, إعدام عمر المختار, احتلال بنغازي, استقلال ليبيا عن الدولة العثمانية, اصداء إعدام عمر المختار, الاستعمار الإيطالي في ليبيا, البطنان, الجبل الأخضر في ليبيا, الدكتور محمد بن إبراهيم الشيباني, الدولة العثمانية والجهاد في ليبيا, الزاوية السنوسية بالجغبوب, الغرب وبغض اإأسلام والقران, النشيد الوطني الإيطالي والحقن ضد الإسلام, الوجه الطائفي للحضارة الغربية الحديثة, تحريض إيطالي على المسلمين والقرآن, دعاوي المدنية الزائفة في الغرب, زاوية القصور بالجدل الأخضر, زاوية كلك, عمر بن مختار بن عمر المنفي, غراسباني القائد العام الإيطالي في ليبيا, قبائل بادية برقة, قبيلة المنقة في ليبيا, كتاب عمر المختار المجاهد والقائد هابه خصومه ومؤيدوه حيا وميتا, مجاهدو طرابلس الغرب, مجلة الكويت والعراق وإعدام عمر المختار, محمد المهدي الإدريسي, معاهدة لوزان وليبية, معركة الرحيبة, معركة عقير المطمورة, معركة كرسة, منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق, وقوع عمر المختار في الأسر