دراسة تأصيلية اصطلاحية – الحلقة 2
مفهوم الإرهاب من منظور إسلامي
تراثنا – د . رفيق حسن الحليمي :
لا أحد ينكر أن هناك تحولات متسارعة في المواقف الدولية ، تركت آثارها على كثير من المفاهيم والقيم والمعطيات والاتجاهات التي أصبحت بأمس الحاجة إلى شرح ، بل وأكثر من ذلك إلى تحديد دقيق لمدلولاتها ، وإلى اتفاق مشترك عليها من قبل إفراد الأسرة الدولية .
د . الحليمي
-
الإسلام فرض عقوبة على ترويع الناس وإخافتهم إذا حدث ذلك من دون قصد فما بالك إذا حصل بالإصرار والترصد ؟
-
الخليفة الراشد عمر بن الخطاب عوّض حلاَّق بشاة أهداها له لإرتعابه من نحنحته بصوته الجهوري !
كان (الإرهاب من منظور إسلامي) قضية بحث تأصيلي طرحها د رفيق حسن الحليمي – يرحمه الله – على صفحات مجلة تراثنا ، وتناولها في في الحلقة الأولى بمقدمة تعريفية لمفهوم الإرهاب في دلالته اللغوية وتعريفه في المعاجم العربية والأجنبية، ويستكمل في هذه الحلقة البحث مبيناً جانبا من جوانب عقوبات ممارسة الإرهاب في الإسلام” فيقول :
من عقوبات الإرهاب
من البديهي أن الإرهاب الصادر عن الطبيعة لا يعاقب عليه القانون ، ولكنه يعاقب على الإهمال ، كأن يترك الإنسان سباعه وكلابه من دون قيود ، فتؤذي الناس ، وفي هذه الحالة يعاقبه القانون المدني تحت ذريعة الإهمال وإلحاق الأذى بالآخرين ، لأنه حارس مسؤول عن حراسة الأشياء التي تحتاج إلى حراسة .
وأما الإرهاب الصادر عن الإنسان نفسه ، بقصد او من دون قصد ، فإن القانون يعاقبه أيضاً ، وفقا للأثر المترتب عليه ، أو الأذى الناتج عنه .
وفي الإسلام عقوبة للإرهاب وترويع الناس وإخافتهم ، إذا حدث ذلك من دون قصد ، فما بالنا إذا حدث ذلك بإصرار وترصد ؟ وهذه العقوبة يقدرها ولي الأمر ، وهذا ما يفهم من الحادثة الآتية ، المتمثلة في موقف الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عندما كان الحلاق يحسنُ له لحيته .. وفي تلك الأثناء تنحنح عمر بصوته الجهوري ، ففزع الحلاق ، قيل لأنه خاف أن يجرحه ، ورأي عمر علامات الخوف والفزع عليه (..) ، ولما أنتهى خرج إلى السوق واشترى شاة ، وقدمها للحلاق على سبيل الدية او التعويض عما أصابه من فزع وخوف .
يُستنتج من هذه الحادثة أن إرهاب الناس وترويعهم – من غير قصد – مثل القتل الخطأ ، له دية ، أو تعويض يقدره ولي الأمر، وفقاً للأذى الحاصل ، أما أذا كان الإرهاب مقصوداً قصداً ، ونتج عنه أذى معيّن ، فإن القانون الجزائي يكون له بالمرصاد ، وللوالي أن يقدر العقوبة ، وفقاً للظروف والملابسات .
محاربة الإسلام للإرهاب
أشار القرآن الكريم إلى بعض حالات الإرهاب التي كانت تحل بقريش قبل الإسلام ، من ذلك ما جاء في سورتي الفيل وقريش ، في إشارة إلى محاولة هدم الكعبة على يد أصحاب الفيل ” ابرهة وصحبه “، فجعل الله ” كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ” ، ومَنّ على قريش بأن ألّف بينهم ، واطعمهم (مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ) من أصحاب الفيل ،وقيل من (خوف التخطّف) (1)، وكان ذلك شائعا قبل الإسلام .
وكان العرب عرضة له ، ويتهددهم جميعاً، وقد تحدثت الآية عن ذلك في قوله تعالى “وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ” الأنفال (26) .
ويعد الاختطاف من مظاهر الإرهاب الشديد ، لما ينطوي عليه من ترويع وتخويف للآمنين ، ولما جاء الإسلام تشدد في محاربة هذه الظاهرة .
يتبع لاحقا ..
هامش :
1- اللسان (رهب) ، القاموس المحيط .
طالع الحلقة الأولى :
نقلا عن تراثنا – العدد23
احصل على النص كاملاً
تواصل مع تراثنا