جارت الشعوب فجار الحكام !
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
كثيراً ما أجد حين أقيّْم تحفة لأحدهم من الأزمنة الماضية سيفاً ، أو خنجراً ، أو آنية ، أو وثيقة ، أو مخطوطة ، عبارات حكيمة أو أشعاراً يلامس الكثير منها واقعنا المتغير المؤلم .
فقد نقل القرطبي المفسر عن حال قرطبة في زمانه ( ت 671 هجري – 1272م ) ، يرحمه الله ، من السوء والتجاوز وجور السلاطين والولاة .
فكان كثيراً ما يتمثل بالشعر والشعراء ، وينقل عنهم معاناتهم والظلم الواقع عليهم وعلى الناس كافة ، ومن تبدل الأوطان والناس من حال إلى آخر .
وكعهدك بأخ لك صحيح ، ثم تراه بعد ذلك سقيماً مُدنفا ، فتقول له : كيف أنت ، فيقول : أنا غير الذي عهدت ، فهو هو ،ولكن حاله تغيرت .
فقول القائل : أنا غير الذي عهدت ، وفي هذا المعنى قول الشاعر :
فما الناس بالناس الذين عهدتهم
ولا الدار بالدار التي كنت أعرف
ونُقل عن الأمام الشعبي – يرحمه الله – جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : ألا ترى ما صنعت عائشة رضي الله عنها ؟ ذمت دهرها ، وأنشدت بيتي لبيد :
ذهب الذي يُعاش في أكنافهم
وبقيت في خلف كجلد الأجرب
يتلذذون مجانة ومذلة
ويُعاب قائلهم وإن لم يشغب
فقالت : رحم الله لبيداً ، فكيف لو أدرك زماننا هذا ؟ فقال ابن عباس : لئن ذمت عائشة دهرها ، لقد ذمت ” عاد ” دهرها ، لأنه وُجد في خزانة ” عاد ” بعدما هلكوا بزمن طويل سهم كأطول ما يكون من رماح ذلك الزمان مكتوب عليه :
بلاد بها كنا ونحن وأهلها
إذ الناس ناس والبلاد بلاد
فالبلد باق كما هو ، لكن أحواله وأحوال أهله تنكرت وتغيرت .
وهكذا الحال ،لا تدوم كما كانت في الدول ، اياً ما كانت من الخير والرخاء ،وفرض سلطة القانون العادل ، فقول القائل : ” كما نكونون يُولي عليكم !” من اشتراك السلطة والمحكوم في البغي والتجاوز والجور .
فلو كان الناس على الخير والعدل ، وامتثال القانون المتعارف والمتعاهد عليه ، لكانت السلطة أو العادلين معهم وفق ذلك العهد، ولكنهم جاروا فجارت !
فالبناء هو البناء ، والجبل والسهل والوادي هي هي ، لكن المتغير حاله هو بنو الإنسان وحكامهم ، إن شاءوا جعلوها جنة ، وإن شاءوا جعلوها ناراً يصلي بها الجميع الديار والعباد !
والله المستعان ..
* الراعي والرعية :
قال صلى الله عليه ولم : ” كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ” . متفق عليه
(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا