فن التجليد والتذهيب

تراثنا – عرفه عبده علي* :
في الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر عام 2001 م ، شهدت باريس افتتاح المعرض الاستثناي الهام والبديع ، الذي أقامته دار الكتب الوطنية الفرنسية ، في مقرها القديم بوسط باريس ، تحت عنوان ” فن الكتاب العربي ” .

فتحت دار الكتب الفرنسية خزائن نفائس كنوزها ، واخرجت بدائع المخطوطات المصورة العريية ، كما استعارت للمعرض عدداً من المخطوطات المصورة النادرة من نظيراتها في الرباط وهايدلبرج والفاتيكان ، ودور كتب أخرى في باريس .
حدد المعرض مسار زائريه ، واستهل هذا المسار بعرض نماذج من تراث فنا لكتاب في بعض البلاد العربية قبل الفتح الإسلامي موضحاً الأساس العريق الذي استندت إليه الثقافة العربية الإسلامية وتطورها ، مبيناً المكونات القديمة التي تمتلكها الحضارة الإسلامية ،وقيمها الإنسانية الجديدة التي حملتها إلى العالم .

بعد المخطوطتين الاستهلاليتين ، ينفتح المسار على جنة فسيحة من مصاحف القرآن الكريم ، خُطت بأساليب متنوعة من خط الكتابة العربية ، يعود أقدمها إلى القرن الثامن الميلادي ، حتى كان الخط السائد هو أسلوب كوفي المصاحف ،والذي اكتفينا بتحنيطه في المتاحف !
ويُلاحظ الزائر أن المصاحف من الجيل الأول ، كانت أغلبها من قطع المستطيل الأفقي ، الذي ظل سائداً حتى أوائل القرن العاشر ،حين انتقل المصحفإلى قطع المستطيل الرأسي ، في تزامن مع التحول إلى استخدام الورق بدلا من الرق .
وكان على رأس هذه الكنوز من المصاحف الذي كتبها ياقوت المستعصمي عام 1289 ،وهو مصحف تتأكد نسبته لياقوت بخلاف كثير من المصاحف التي نسخها تلاميذه بعد وفاته ،ونسبوها إليه ، ويُعد هذا المصحف الصغير القطع (19 × 15.5 سم) ، في الصفحة الواحدة ،نموذجاً للمستوى الرفيع الذي بلغه الخط العربي في تلك الفترة.

وغير بعيد عن تحفة المستعصمي الدقيقة القياس ،إنبسط واحد من المصاحف العملاقة التي اعتاد السلاطين المماليك ( في القرنين الربع عشر والخامس عشر) وقفها للعامة في المساجد والمدارس وأضرحة الأسلاف ، وقد بلغ قياس الصفحة الواحدة في هذا المصحف العملاق حولى 5 ×70 سم ، وتتبدى في صفحتيه المبسوطتين مفاتن مدرسة الخط المصرية المتميزة ، التي بلغت أوجها في العصر المملوكي ، قبل ان يختطفها سلاطين بني عثمان بعد فتح لمصر ، ويسطع المداد الأسود المصري الذي كتب بدن النص القرآني بخط ، المحقق وأسماء السور بخط الثلث ، وتشرح أثار المداد المصري في العصر المملوكي ، والمبالغة في الزخرفة والأسراف في التذهيب الذي اتسمت به المصاحف التركية فيما بعد .
* كاتب ومؤرخ مصري
يتبع لاحقا ..
-المزيد من التفاصيل في العدد رقم 93
نقلا عن مجلة تراثنا – العدد 93
تواصل مع تراثنا