الحلقة (27)
تراثنا – التحرير :
في الحلقة (27)، تواصل تراثنا نشر متفرقات منتقاة من كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية*) لمؤلفه : محمد بن علي ابن طباطبا (1260 – 1309 هجرية).
يستكمل ابن طباطبا تقديم إرشاداته ومشورته لمن وُكل إليهم أمر سياسة العباد ،ويحكي بعض الأمثلة والروايات التاريخية التي تعضد كلامه، ويذكر مواقف التي يتجلى بها الأنصاف على ايدي من بيده الملك تجاه الرعية ، فيقول :
وكان يزيد بن معاوية أشد الناس كلفاً (أنفاقا) بالصيد لا يزال لاهياً به ، وكان يُلبس كلاب الصيد أساور من الذهب والجلال المنسوجة منه ، ويهب كل كلب عبداً يخدمه !
قيل : إن عبيد الله بن زياد أخذ من بعض أهل الكوفة اربعمائة ألف دينار جناية وجعلها في خَزن بيت المال ، فرحل ذلك الرجل من الكوفة ، قصد دمشق ليشكو حاله إلى بزيد ، وكانت دمشق في تلك الأيام فيها سرير الملك .
فلما وصل الرجل إلى ظاهر دمشق ، سأل عن يزيد فعّرفوه أنه في الصيد ، فكره أن يدخل دمشق وليس يزيد حاضراً فيها ، فضرب مخيمه ظاهر المدينة وأقام به ينتظر عود يزيد من الصيد .
فبينا هو في بعض الأيام جالس في خيمته لم يشعر إلا بكلبة قد دخلت عليه الخيمة ، وفي قوائمها الأساور الذهب ، وعليها جُلّ يساوي مبلغاً كبيراً ، وقد بلغ منها العطش والتعب ،وقد كادت تموت تعباً وعطشاً.
فعلم أنها ليزيد وانها قد شذت منه ، فقام إليها وقدم لها ماء وتعهدها بنفسه ، ، فما شعر إلا بشاب حسن الصورة على فرس جميل وعليه زي الملوك ، وقد علته غَبَرَة ، فقام إليه وسلم عليه ، فقال له : أرأيت كلبة عابرة بهذا الموضع ؟ فقال : نعم يا مولانا ها هي في الخيمة قد شربت واستراحت، وقد كانت لما جاءت إلى ها هنا جاءت على غاية من العطش والتعب .
فلما سمع يزيد كلامه نزل ودخل الخيمة ونظر إلى الكلبة وقد استراحت ، فجذب بحبلها ليخرج ، فشكا الرجل إليه حاله ، وعرَفه ما أخذ منه عبيدُ الله بن زياد ، فطلب دواةً وكتب له برد ماله وحلة سنيّة ، وأخذ الكلبة وخرج ، فرد الرجل من ساعته إلى الكوفة ولم يدخل دمشق .
طالع الحلقة 26 :
المستعصم يصطاد حمار وحشي عمره يقارب 500 عاما !
-مُنتقى من الصفحة : (55).
كاتب وكتاب
* كتاب (الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية)، للمؤلف محمد بن علي بن طباطبا (1260 – 1309 هجرية) ، يقع في 360 صفحة ، نشر دار صادر – بيروت ،مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق .
تواصل مع تراثنا