محاورة مهمة في (التاريخ الاجتماعي)
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
الحقيقة ، فقط لا غيرها ، يفترض أن تكون هي مطلب الباحث في التاريخ ، ولكن ما هي الضوابط التي يمكن نحكم من خلالها على ان ما توصل اليه ذاك الباحث أو غيره هي الحقيقة التاريخية المجردة دون تدخل مؤثرات وأحكام مسبقة في نفس الباحث ، تميل بالحقيقة عن هدفها المنشود ؟!
قريب من هذا الطرح ، عالجته ( المجلة التاريخية المصرية) ، في عددها المنشور عام 1967م ،(1) عبر تساول طرحه حسني رياض على صفحاتها وهو (ما الخط الذي يفصل بين التاريخ والأدب) ؟
فتصدى لهذا التساؤل الهام شخصيتان من الاعلام والمؤرخين :
-
المؤرخ محمد زيادة : الأديب يكتب ألفاظاً حلوة معسولة ، فيضحي بالحقيقة من أجل الأسلوب١ والمؤرخ يضحي بالأسلوب من أجل الحقيقة !
-
الكاتب عودة : لدينا مشكلتين ، مشكلة التزييف التاريخي ومشكلة التنظير في التاريخ أو صياغة نظريات عامة عن المجتمع !!
-
ابن خلدون لم يكتشف علم الاجتماع من خلال بحثه في التاريخ ،وإنما هو اكتشف علم التاريخ من خلال تطبيقه لمنهج علم الاجتماع !
يقول : المؤرخ المصري محمد مصطفي زيادة (1900-1968) ، يرحمه الله (1) :
- الخط بين الأدب والمؤرخ ، على دقته ، مفهوم ، الأديب يكتب ألفاظاً حلوة معسولة ، فيضحي بالحقيقة من أجل الأسلوب ، والعكس .. في التاريخ يضحي بالأسلوب من أجل الحقيقة .
أما الكاتب الصحفي المصري محمد عودة (1920 – أغسطس 2006) يرحمه الله (2) ، فيقول :
- نقطتان مهمتان : مشكلة التزييف التاريخي ، ومشكلة التنظير في التاريخ ، أو صياغة نظريات عامة عن تاريخ المجتمع .
أما المشكلة الأولي : فقد اكتشف علاجها ابن خلدون في منهجه التاريخي ، في تحقيق الأحداث التي سجلها المؤرخون السابقون .
هذه الأحداث لها قواعد وقوانين نستطيع بواسطتها أن نقيس مدى صدق الحقيقة التاريخية ، وأهمها قياس الأحداث التاريخية بطبيعة العمران ، ومن ثم وجب علينا في دراسة التاريخ أن نتحرى الدقة في اختيار الحقيقة أو اختيار الحادثة التي نسجلها تسجيلا علميا .
وهنا اقول إن ابن خلدون لم يكتشف علم الاجتماع من خلال بحثه في التاريخ ، وإنما هو اكتشف علم التاريخ من خلال تطبيقه لمنهج علم الاجتماع .
الفائدة والخطورة
– -المشكلة الثانية : هي مشكلة التنظير في التاريخ ، أو تكوين نظريات معينة ، في الواقع لهذه المشكلة خطورتها ، بقدر ما بها من فائدة .
أما فائدتها ، فتتلخص في مدنا بقدرة وطاقة في تفسير الأحداث التاريخية ، وربطها جرياً وراء تفسير الحضارة الإنسانية العامة .
أما خطورتها فهي تقودنا إلى نزعة دوجماتيكية توكيدية نسير بمقتضاها موجهين سلفاً بناء على افتراضات سابقة ، مر بها الإنسان ، ولا يصح لنا أن نتنبأ بأن هذه الخبرات نفسها سوف يمر بها الإنسان في وقت ما .
فلا بد أن نحتاط لهذا الأمر ، و ألا نأخذه هذه النظريات التاريخية كحجة مؤكدة ، فلا بد من أن نترك مجالاً من الوقت لحرية الإنسان وفكره .
عدد نادر (التاريخية المصرية)
المجلة التاريخية المصرية ، تصدر عن الجمعية المصرية للدراسات التاريخية بالقاهرة ،أقدم جمعية تاريخية متخصصة في الشرق الأوسط يرجع تأريخها إلى عام 1945 ، صدرت عام 1947م ، نسخة الطبعة الأولى ( متوفرة كاملة ) من مقتنيات مكتبة مركز المخطوطات والتراث والوثائق ( الكويت ) .
هامش
(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق وررئيس مجلة تراثنا
1-محمد مصطفي زيادة (1900-1968ديسمبر ) مؤرخ مصري. واحد من أبرز أساتذة العصور الوسطى في الجامعة المصرية.
2- محمد عودة (1920 – أغسطس 2006) كاتب وصحفي مصري