المحبة والعطف في عالم الحيوان
تراثنا – التحرير :
الأمومة غريزة فطرية ، جعلها الله في قلب كل إنسان ، بل وفي قلب كل حيوان ، فهي تدل على المحبة والرحمة والحنو على الصغير .
جاء ذلك في مدخل مقال أعده الكاتب أسامة الزقزوق ونشرتها مجلة تراثنا ، ونقلاً عن السنة النبوية يشير إلى ان النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعب الحسن والحسين ، وكانا يركبان على ظهره وهو يصلي ، فكان يطيل في الصلاة حتى لا يقطع حظهما .
وفي رواية عن عبدالله بن مسعود قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما ، فإذا قضى الصلاة وضعهما في حجره وقال : “من أحبني فليحب هذين ” .
ونوه الكاتب في مقاله بأهمية جانب الأمومة عند الأبل ، فذكر بأنه من اشد الحيوانات عاطفة على صغيرها ، والناقة عادة ما تحرص على مولودها حرصا شديداً ، فهي ترعاه من ولادته إلى أن يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه ، فإذا فقدت الناقة وليدها ، فإنها لا تهدأ بل تظل متنقلة من مكان لآخر للبحث عنه ، حتى تجده .
وساق الزقزوق من التراث العربي حكاية خلوج ابن الرومي ، وهو تاجر إبل مشهور ، وكانت عنده ناقة نجيبة ثمينة ، فدخل يوما إلى حوش الإبل ومعه ابن له صغير في الثالثة من عمره ، فرمحته الناقة فمات في الحال ، فغم الرجل وحزن على ابنه حزناً شديداً ، ولم يهن عليه التفريط فيها لنجابتها وقيمتها عنده ، فتركها حتى لقحت وعندما ولدت أخذ ولدها وذبحه أمام عينيها !
فحنت وحزنت وبركت وتمرغت وصارت تضرب بجسمها الأرض ، وبقيت مدة طويلة لا تأكل ولا تشرب حتى هزلت وكادت تموت ، وبعد فترة لقحت مرة أخرى ، ففعل بها مثلما فعل في المرة الأولى ، فلما رأت ذلك ، فعلت أكثر من الأولى من الحزن العميق على فقد وليدها أمام عينيها ، ثم لقحت في المرة الثالثة ، وحدث ما حدث في المرات السابقة ، وقفت على رجليها وحنة حنة عميقة ، بصوت مرتفع وضربت بنحرها الأرض وخرت ميتة !
وعندما شق جوفها وجد قلبها قد انفجر وتمزق ، وعلى الرغم من المبالغة الظاهرة في القصة من الناحية العلمية ، إلا أن قصة هذه الناقة اشتهرت شهرة عظيمة ، وأشار إلى حنتها الشعراء .
فقال فهاد بن مسعر العاصمي :
يا ونة ونيتها يا بن نصار
ما ونته قبلي خلوج ابن رومي
وقال عبدالرحمن بن ناصر اللحيدان :
لي يا خلف يا ذلول ابن الرومي
اتعبتني وأنا على الغالي انخاك
دنياك هذي بالتفاريق تومي
صبورها ما تمضي سوى هاك و هاك
ويمضي الكاتب إلى القول : وتظهر عاطفة الأمومة عند الأبل عندما يُراد حلبها ، فهي لا تدر اللبن مثل الأغنام والأبقار دون أن يكون وليدها هو البادئ بلمس حلمات ضرعها ، أي أن يقوم الحوار (وليدها) في البداية بتحنينها إذا كانت مسوحاً أو مرياً ، ويطلق هذا اللفظ في بادية الجزيرة العربية على النياق التي تدر اللبن ، وذلك يكون بمسح الراعي على الضرع ، لذلك يصطفي بعض الرعاة عدداً محدوداً من نوقه ليقوم بتعويدهن على إدرار اللبن دون حاجة إلى وجود حوار .
ويحدث في بعض الأحيان أن تلد الناقة ويموت حوارها بعد فترة ، فيقوم الراعي بسلخ جلد الحوار ، وحشوه ببعض الأعشاب أو الحطب ، أي أنه يقوم بتحنيط الجلد ثم حشوه ويسمى (البو) فيمرر على الناقة لتشمه ، فتقوم بإدرار اللبين .
ويستشهد الكاتب أسامة الزقزق بالأمثلة الشعبية في الجزيرة العربية الدالة على عاطفة الأمومة عند الأبل ، ما تم بسطه في المقال بتوسع وفيه الكثير من الدلالات على أهمية الأمومة عند الأبل .
نقلا عن تراثنا – العدد 91
بادر بحجز نسختك
تواصل مع تراثنا