دراسة تأصيلية اصطلاحية
تراثنا – د . رفيق حسن الحليمي :
لا أحد ينكر أن هناك تحولات متسارعة في المواقف الدولية ، تركت آثارها على كثير من المفاهيم والقيم والمعطيات والاتجاهات التي أصبحت بأمس الحاجة إلى شرح ، بل وأكثر من ذلك إلى تحديد دقيق لمدلولاتها ، وإلى اتفاق مشترك عليها من قبل إفراد الأسرة الدولية .
ولعل نظرة موضوعية شاملة لا يكون للمصلحة الشخصية مكانة فيها ، تجعل دلالة المفاهيم والقيم ضمن ” محددات ” دقيقة مقنعة ، لا تحتمل تأويلاً بعيداً أو تفسيراً غريباً ، لا يرتضيه العقل والمنطق ، من بين هذه المصطلحات مفهوم ” الإرهاب ” الذي أصبح الاختلاف حول مضمونه يؤدي إلى إشكالية كبيرة ، قد يترتب عليها أزمات من النوع الخطير .
وتحاول هذه الدراسة بلوة مفهوم الإرهاب من الوجهة الدينية ، كما جاءت في النصوص القرآنية ، والمعاجم اللغوية ،وبعض المواقف التاريخية .
-الدلالة اللغوية :
1- في النص القرآني ،وردت كلمة ” الإرهاب” في بضع آيات ، أكثرها بمعنى الخوف من الله ، مثل قوله تعالى : ( وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) الأعراف (154) .
وقوله تعالى : (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) البقرة (40) و النحل (51) .
وقوله تعالى : (وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ ) القصص (32) .
وجاءت بمعني الانقطاع عن الدنيا والانشغال التام بالعبادة (الرهبانية) ، في قوله تعالى : (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) الحديد (27)، ومنها جاءت كلمة (الرهبان) ، في قوله تعالى : (ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا) المائدة (82) .
وجاءت بمعني الإخافة والهيبة ، في قوله تعالى ( تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال (6) .
وقوله تعالى : ( وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) الأعراف (116) .
وقوله تعالى : ( لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ۚ) الحشر (13) .
وهذه تصف حال اليهود والمنافقين في المدينة بأنهم كانوا يرهبون المؤمنين أكثر من رهبتهم من خالقهم ، وهي في هذه الأبيات لا تخرج عن دلالتها اللغوية التي جاءت في المعاجم كما سنرى :
المعاجم العربية :
تلتقي المعاجم عند دلالة واحدة للإرهاب على أنه الخوف ، وهو مصدر للفعل (رهب) بمعنى : خاف ، والرهبة ، الخوف ، وفي حديث الدعاء: (رغبة ورهبة إليك )، وترهب الرجل إذا صار (راهباً) يخشى الله ، واسترهبوه : استدعى رهبته حتى رهبه الناس وخافوه ، وبذلك فسروا قوله تعالى في فرعون ( وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ) الأعراف (116) ، بمعنى ارهبوهم واخافوهم .
المعاجم الأجنبية :
تأتي كلمة إرهاب Terror بمعنى رعب وذعر وهول ، وكل ما يوقع الرعب في النفوس ،وشخص أو شيء مروع ، بمعنى أن الإرهاب ، أو ذعر ناشئ عن الإرهاب ، وقد أطلقت كلمة الإرهاب على الفترة من إبريل 1793 م حتى 1794م ، وسُميت عهد الإرهاب Reign of Terror ويعرفونه بانه (الفترة الأكثر دموية في تاريخ الثورة الفرنسية ) The Bloodiest period of the French Revolution التي جاءت في أعقاب إعدام ملك فرنسة لويس السادس عشر يناير 1792م ،لكثرة ما راح فيها من ضحايا .
ويُستنتج من هذا أن المعاجم العربية تلتقي مع المعاجم الأجنبية عند دلالة واحدة لمفهوم الإرهاب ،وهو : الخوف والرعب ،الذعر ، الترويع ، سواء أكان مصدر (الإرهاب) هو خشية الله ، أم الخشية من البشر ، كما يُفهم أن (الإرهاب) يتمركز حول معني (الخوف) من شيء طارئ على الحياة العادية في نسقها العام ، من شأنه أن يؤدي إلى حال من الخوف والفزع .
وقياساً على الفهم السابق يمكن ان نستنتج أن مبعث الإرهاب قد يكون خارجياً من فعل الطبيعة أو من فعل البشر ، فأصوات الرعد والزلازل ورؤية السباع والوحوش فجأة تحدث حالة من الترويع والفزع ، وكذلك بعض الأفعال الصادرة عن بني البشر ،وقد يكون مبعثه داخلياً عندما يستشعر الإنسان الخوف أو الرهبة من الخالق ، فيترهب ،وينقطع للعبادة خوفاً (من النار ) وطمعاً (بالجنة) .
يتبع لاحقا ..
طالع الحلقة الثانية :
عمر بن الخطاب يقدم نموذجا لمحاربة الإسلام للإرهاب
نقلا عن تراثنا – العدد23
احصل على النص كاملاً
تواصل مع تراثنا