الحيد عن العدل والظلم بالأحكام
القضاة ثلاثة ، اثنان في النار ، وواحد في الجنة
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
القاضي هو الحاكم ، كما جاء في الأحاديث النبوية ، ولقد تبوأ القاضي (الحاكم ) في صدر الإسلام الأول إلى نهاية الخلافة الإسلامية في تركية المكانة السامية الراقية المصونة العالية ، فحكمه وقضاؤه لا يردان ، حتى لو كان الحكم على الخليفة ، أو الوالي ، أو من هم دونهما .
-
مهنة القاضي حساسة قد تُزهق أنفس بريئة وتُبرؤ مذنبة ، والحيد عن العدل فيه نهب للأموال وضياع أمن الناس على أنفسهم وأعراضهم .
-
القاضي بشر معرض لفتنة المال والنساء والتعرض لضغوط المسؤولين والوجهاء وينبغي حل مشكلاته وقضاء حاجاته لضمان حياديته ونزاهة أحكامه .
ولقد سطرت لنا المؤلفات المخطوطة التي تحولت إلى كتب محققة مطبوعة تاريخ القضاة على مر الزمان ، وكيف كانوا يحظون بالتقدير والاحترام ، وتقدمهم كسلطة ثانية بعد الخليفة .
تقدير القضاء
ومن بعض تلك الكتب ” تاريخ قضاة مصر ” للقاضي وكيع ، و ” تسمية قضاة مصر ” للكندي المغربي ، و” أخبار قضاة دمشق ” للذهبي ،وغيرها من الكتب المؤلفة في فضل القضاة .
وهذا التقديم والتقدير للقاضي من قبل الخلفاء والولاة ، من تحتهم ، لدوره الكبير في الحكم بين الناس وغيرها من الأحكام ، مما لا يقدر عليه إلا هو .
حساسية المهنة
لأنها مهنة حساسة ، خاف منها الكثيرون ، ووضعها الله سبحانه عند غيرهم ، وهي مهنة الميل فيها عن الحق ، وعدم العدل ، قد تزهق فيها أنفس بريئة ، وتبرأ أنفس مذنبة ، والحيد فيها وعدم العدل ، ينهبان الأموال العامة والخاصة ، ولا يأمن الناس على أنفسهم وأعراضهم .
بلاء وابتلاء
لقد كانت مهنة البلاء والابتلاء يتعرض فيها القاضي لفتنة المال والنساء ،والضغط عليه من قبل المسؤولين والوجهاء ، بل الرقابة والأصحاب ، فهو يبقى بشراً ، إن لم يكن سنده قوياً ومتكؤه متيناً ، قد يترك أو قد يميل أو يُفتن .
حل المشكلات
لذا على من بيده حل المشكلات التي يعاني منها القاضي ، إدارية ، مالية ، حماية وظيفية ، من دون تردد ، بل ينبغي أن تشكل لجنة خاصة مهمتها قضاء حوائجه اليومية في وزارات الدولة ، حتى لا ينشغل عن قضاياه .
فالقضاء سلطة من السلطات الثلاث في الكويت ، التي لها قوتها ومكانتها ، بل هي أهم السلطات الثلاث ، فالمحافظة عليها ، محافظة على أمن البلاد ، وسمعتها وإشاعة العدل وقوته .
لاتسامح
ولا يتسنى ذلك إلا إذا قدرت مكانة القاضي، وصِينت وحُفظت ، ولا يتأتي ذلك إلا بمتابعة وضعه ، فهو ليس مثل أي موظف في الدولة ، فدرجته درجة وكيل وزارة ، ولا يترأس عليه قانونياً في اي اجتماع أو لجنة من اللجان ، إلا من هو بتلك الدرجة .
ولا ينبغي أن يتسامح في ذلك إدارياً حتى تبقي هيبة القاضي في مكانها اللائق بها.
دولة الظلم ساعة
نطالب ونشدد ، وبأعلى صوت ، ونقف مع كل من تكلم وكتب ، لدعم دور القضاة والقضاء ، لابقائه نزيها ، محايداً ، عن المؤثرات التي قد تحيد بأحكامه عن النهج السديد ، ولا شك أن من أسند إليهم القضاء بمراكزه العليا ، هم من المشهود لهم بالكفاءة ، وينبغي أن نضع أمام ناظرينا المقولة ( دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة ) .
القضاة ثلاثة :
– عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .
مصادر صور : ( الخليج أون لاين )