الحلقة الثالثة والأخيرة
المدارس والمعاهد الأثرية في العالم الإسلامي

تراثنا – هشام إسماعيل عدرة *:
تواصل تراثنا في الحلقة الثانية، استعراض فنون البناء المملوكي في سورية ، حيث تعد المدرسة الجققمية، نموذجاً يمثل تلك الحقبة باعتبارها واحدة من اجمل الأبنية الاثرية التاريخية في مدينة دمشق القديمة التي اكتمل بناءها عام 1421 م.

نواصل في الحلقة “الثالثة” والأخيرة، استعراض ماتميزت به تصاميم المدرسة الجقمقية الأثرية بدمشق التي تعكس فنون العمارة في الحقبة المملوكية :
الزخارف في بناء المدرسة

إذ تتميز نقوشات المدرسة بزخارف جميلة ، حيث تُعتبر الزخارف الجدارية التي تكسو الجدران الداخلية ، حتى ارتفاع أربعة أمتار من أجمل الزخاف الموجودة في العصر المملوكي ، وتتألف من رخام وفسيفساء ولوحات كتابية أخرى مُنقوشة بمواضيع نباتية ، وكلها موزعة توزيعاً متناسقاً على جدران القاعة مع شيء من التناظر .
وتبدأ كسوة الجدارية في الأعلى بشريط من الآيات القرآنية مُنقوشة بخط نسخي على بلاطات من الحجر ، ومُذهبة على أرضية زرقاء ،واشريط مقسم إلى مقاطع تفصل بينها حليات مستديرة منقوش عليها عروق نباتية ملفتة وحافة الشريط مزينة بسلسلة من الأوراق النباتية التي تشبه أزهار الزئبق .
وأجمل ما في المدرسة محرابها المرخم البديع الصنع ، ويتألف من (حنية) تعلوها نصف قبة ذات عقد مدبب ، محمولاً على عمود من الرخام الأخضر المجزّع ، لهما قاعدتين عليهما زخاف وتخاريم جميلة وتاجين من النوع الكورنتي المتطور،وقد كُسيت الحنية بمجموعة من الزخارف فيها البوائك المؤلفة من سلسلة من الأقواس المحفورة بالزخارف ،وفيها الرخام والفسيفساء الهندسية ، المطعمة بالصدف ،أما قبة المحراب فمكسوة بالفسيفساء ذات المكعبات الزجاجية ،وللمحراب واجهة من الرخام الملون على شكل خيوط مضفورة ،واقواس متشابكلة من نوع حدوة الفرس المستديرة مع فسيفساء في الزوايا .
الواجهات الخارجية للمدرسة

يتميز باب المدرسة بارتفاعه وبمقرنصاته وبشريط من الكتابة ، يطوق الواجهتين الشمالية والشرقية ، وقد كُتبت بأحرف بارزة مُذهبة وخط نسخي جميل ،ولهذا غرض تزييني وتاريخي ، ويُلاحظ أن الفنان استخدم مشربيات تشبه الزئبقة ، مدككة ببعضها في لونين متناوبين ، مؤلفة من وردة كبيرة ، واحدة في الواجهة الشرقية ، واثنتين في الواجهة الشمالية .
ويُلاحظ أن الفنان استغل هذه الوردة فوضع في مركزها (رنك) الأمير جقمق أي (شعاره) ،وهو عبارة عن قرص من الحجر الأصفر ، فيه ثلاثة حقول (العلوي) نُقشت عليه الدواة وأدوات الكتابة رمز الدوادرية ، وفي الحقل الأوسط كأس كبير ، حفر عليه كأسان صغيران ، وفي الحقل السفلي كأس صغير آخر .
نقش النمارة من معروضات في المدرسة

كما ذكرنا ، فقد استمر مبنى المدرسة الجميل كمتحف لفنون الخط العربي، وافتتح أمام الجمهور في عام 1974م ،حيث يضم المتحف نماذج من بدايات الكتابة العربية قبل الإسلام ، مثل نقش (النمارة) ، والذي يوجد في قصر صغير في العهد الروماني ،ويقع على الطرف الجنوبي من وادي الشام المنحدر من جبل العرب نحو الشمال الشرقي إلى البادية .
وهي عبارة عن شاهدة قبر أمريء القيس 328.300 م ، وقد خُلدت أعماله الحربية مُؤرخة 328.223 م – الأصل محفوط في متحف اللوفر بباريس – إضافة إلى نموذج من كتابة ( أسيس)، وتعتبر هذه الكتابة من أهم الكتابات قبل الإسلام ،وهو نص مؤرخ من سنة 887 سلوقي 576 م ، والأصل محفوظ في متحف دمشق الوطني ، من المعروضات بعض المخططات والقفيات وبعض من دراهم نقود فضية تعود لعهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان .
وهناك دنانير فاطمية ومملوكية، كذلك هناك كسر فخارية وأواون معدنية تنوعت عليها أنواع الخطوط والكتابات التي توثق تطور الحرف العربي ،وهناك لوحة توضح الكتابة وأنواع الخط العربي ، بدءاً من النبطي المتأخر ، يعود للقرن الثالث ميلادي ،وهناك خطوط وكتابات : زيد ،حران ، أم الجمال ، أسيس ، ومن ثم الخط الكوفي، وخطوط فجر الإسلام ، تعود للقرنين الأول والثاني الهجريين ، كالكوفي والعباسي المتوسط ، وللقرنين الثالث والرابع الهجريين ، ومنها الكوفي والعباسي والأيوبي للقرنين الخامس وحتى السابع الهجري ، ومنها خط الثلث (انتهى) .
الصور منتقاة من : التاريخ السوري المعاصر
نقلا عن تراثنا -العدد 92
لاقتناء نسختك
تواصل مع تراثنا