يجمعها الكاددي ويأخذها الراددي
قال أحمد العلماء : كلما جدَدوا لنا معصية جددنا لهم نعمة
تراثنا – د . محمد بن إبراهيم الشيباني (*) :
رجل أعطاه الله من الخيرات التي تكفيه وأزواجه وذرياته وقراباته الأقربين له والأبعدين ، وعماله في مؤسساته وشركاته وأملاكه الأخرى التي لا تعد ولا تحصى ، أتتصورون هذا الرجل لا يعطي من كل ما ذكرت لا دينارً و لا درهما ؟
ولم يخرج يوماً لا صدقة ولا زكاة ولا مساعدة مما نرى ونسمع ونقرأ عن فلان المحسن الذي أنفق من زكواته وصدقاته وأنواع الخيرات التي بذلها في حياته ومماته ، مما يغطي عن الشمس في ديار هذه البسيطة ، أتتصورون ذلك ؟
-
ينعم الله عليه بالأموال والخيرات الواسعة فلا يتصدق ولا يُحسن للآخرين ولا تُؤثر عنه خيراً إلا سمعة ورياء رغبة في ثناء الآخرين !
-
الاستدراج الرباني يكون بتوالي النعم على العبد دون أن يبذل المال في الخيرات ، فيُحط بدرجاته درجة بعد درجة ، ثم السقوط والانهيار.
لا أحد يتصور ذلك ، وإن تصوره..فسيقول في نفسه أنه كذب وافتراء على الرجل ، وتَقّول عليه بل هو حسد وغل من عند الناس !
ولكن ما قولكم لو كان ذلك حقيقة وصدقاً ونقلاً صحيحاً عدلاً لم يفتر عليه أحد الكذب ؟! وماذا لو أن اأعداد الهائلة التي ذكرت لم تنل منه ما يستحق أن يطلق عليه أنه محسن أو منفق .
الاصناف تلك التي ذكرت في صدر المقالة لم تعط لهم من أمواله لا ديناراً ولا درهماً ، بل ولا كلمة عدل أو خير أو بر تؤثر عنه ، وإن اخرج شيئاً يسيراً ، أخرجه سمعة ورياء ، حتى لا يؤثر على مكانته في مجتمعه وبين أقرانه !
أنه الاستدراج الذي كره ربنا في كثير من الآيات ونبيه عليه الصلاة والسلام في كثير من أعلام نبوته ، كما جاء في قول ربنا : (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) الأعراف :180 .
والاستدراج هنا ، كما قال أهل التفسير ، هو الأخذ بالتدريح ، منزلة بعد منزلة ، أى إعطاء النعم تلو الأخرى للبشر دون بذل المال في الخيرات ، ويعني ذلك أن يُحط درجة بعد درجة ، إلى المقصود ، أي ينزل ثم السقوط والانهيار .
قال أحمد العلماء : كلما جددوا لنا معصية جددنا لهم نعمة . أي بذلا وعطاء ، وهو عمل من يعلم لئلا ينقطع عنه ذلك الخير .
وعندما قيل لذي النون : ما أقصي ما يُخدع به العبد ؟ قال: بالألطاف والكرامات ! أي بالاستدراج ! ، إذا رأيت نعمة ( أموال وعقار وسيارات ..) ولا يخرج من ماله شيئاً ولا يراعي فيها رعاية لله ولا عباده فقل : ( الحمدالله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً) ولا تنخدع به ، فإن حياتك أبرك من حياته المعذبة .
وعلى المرء أن لا ينخدع بالمظاهر والبهارج التي عند البشر ، لأنه يعلم من أين اكتسبوها وكيف حصَّلوها ،ولعلها استدراج لوقت السقوط ، أو كما قيل في الأمثال الدارجة ،( يجمعها الكاددي ويأخذها الراددي ) (1) أي اتيان الموت !
والله المستعان..
نُشر في تراثنا
(اضغط على الغلاف للتفاصيل)
هامش :
(*) : رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .
1- يجمعها الكاددي ويأخذها الراددي : مثل شعبي يقال لمن كد وشقى لجمع الأموال ويأتي الردى ،وهو الموت ليفرق بينه وبين ما جمعه من أموال .