جديد مكتبة تراثنا
تراثنا – التحرير :
في إضافة جديدة ، صدر عن مركز المخطوطات والتراث والوثائق كتاب ( رحلة الفتية المغررين في المحيط الأطلسى ) أعده وعُني بها د . محمد بن إبراهيم الشيباني رئيس مركز المخطوطات والتراث والوثائق ورئيس مجلة تراثنا .
-
من مدينة أشبونة خرج ثمانية رجال أبناء عمومة عبر محيط الظلمات بحثاً عن نهايته فعثروا على جزيرة كثيرة الأغنام لحومها مرة لا تؤكل !
-
احاطب بهم زوارق أقوام شقر طوال القدود نساءهن ذوات جمال عجيب وحبسوهم ثلاثة أيام والتقوا باليوم الرابع بملك الجزيرة.
-
امر ملك الجزيرة بتكريمهم فحملتهم القوارب مشدودي الوثاق إلى جزيرة أهلها بربر أخبروهم أنهم بينهم وبين بلادهم مسيرة شهرين بالبحر.
-
في احدى جزر البحر أخوين من القراصنة السحرة أحدهما شرهام والآخر شرام يقتلون ركاب السفن ويسرقون حمولتها سخطهم الله حجرين متقابلين .
عد د . الشيباني الكتاب الجديد تطوراً تثري مطبوعات ( المركز) ، مشيراً إلى ندرة نصيب البحوث المختصة في التاريح البحري في التراث الإسلامي والجغرافي ويحتاج إلى مزيد من البحث والتقصي .
وعن قصة رحلة الفتية المغررين في المحيط الأطلسي ، جعل الباحث كتاب ” نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ” للشريف الأدريسي أساسا لمادته،مستفيداً من بحوث اخرى .
يقول د . الشيباني : أورد الإدريسي قصة هذه الرحلة في الجزء الأول من الاقليم الثالث ، وهي تحكي قصة جماعة ارتحلت بحراً في المحيط الأطلسي ، ثم عادت إلى قاعدة انطلاقها في لشبونة ، تقص مشاهداتها ، وتعزى أهميتها لنا في أنها دليل على اهتمام الإدريسي بامر الرحلة كمصدر للمعلومات الجغرافية عنده أياً كان مصدر هذه الرحلة .
إلا أن بعض الدراسات حاولت أن تستند إليها باعتبارها محاولة لعبور المحيط الأطلسي ،والوصول إلى الأراضي التي أطلق عليها أميركة فيما بعد ،
ويتمثل نص هذه الرحلة كما وردت بمخطوط الإدريسي كما يلي (1) :
.. ومن مدينة أشبونة ، كان خروج المغررين في ركوب بحر الظلمات ، ليعرفوا ما فيه وإلى أين انتماؤه ، كما تقدم ذكرهم .
ولهم بمدينة أشبونة بموضع بمقربة الحمة درب منسوب إليهم يعرف بدرب المغررين إلى آخر الأبد ، وذلك أنهم اجتمعوا ثمانية رجال ، كلهم أبناء عم ، فأنشؤا مركبا حمالاً ،وأدخلوا فيه من الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر ، ثم دخلوا البحر في أول طاروس الريح الشرقية (2).
فجروا بها نحواً من أحد عشر يوماً فوصلوا إلى بحر غليط كدر الروايح ، كثير النروش قليل الضوء (3) فأيقنوا بالتلف ، فردوا قِلعهم في اليد الأخرى ، وجروا مع البحر في ناحية الجنوب اثنى عشر يوماً .
فخرجوا إلى جزيرة الغنم ، وفيها من الغنم مالا أخده عدد ولا تحصيل ، وهي سارحة ، لا راعي لها ، ولا ناظر إليها ، فقصدوا الجزيرة ، فنزلوا فيها ، فوجدوا عين ماء جارية ، وعليها شجرة تين بري .
فأخذوا من تلك الغنم فذبحوها ، فوجدوا لحومها مرة ، لا يقدر أحد على أكلها ، فأخذوا من جلودها ، وساروا مع الجنوب إليها ، ليروا ما فيها ، فما كان غير بعيد ، حتى أُحيط بهم ( 4) في زوراق هناك .
فأُخذوا وحُملوا في مركبهم (5) إلى مدينة على ضفاف البحر، فأُنزلوا بها ، فرأوا فيها رجالاً شقراً زعراً ، شعورهم سبطة ،وهم طوال القدود ،ولنسائهم جمال عجيب .
فاعتقلوا منها في بيت ثلاثة أيام ، ثم دخل عليهم في اليوم الرابع ، رجل يتكلم باللسان العربي ، ثم سألهم عن حالهم ، وفيم جاءوا ، وأين بلدهم ، فأخبروه بكل خبرهم ، فوعدهم خيراً ، وأعلمهم أنه ترجمان الملك .
فلما كان في اليوم الثاني من ذلك اليوم ، أُحضروا بين يدي الملك ، فسألهم عما سألهم الترجمان عنه ، فأخبروه بما أخبروا به الترجمان بالأمس ، من أنهم اقتحموا البحر ، ليروا ما به من الأخبار والأعاجيب ، ويقفوا على نهايته .
فلما علم الملك ذلك ضحك ، وقال للترجمان أخبر القوم أن أبي أمر قوماً من عبيده بركوب هذا البحر ، وأنهم جروا في عرضه شهراً إلى أن انقطع عنهم الضوء ، وانصرفوا من غير حاجة ولا فائدة تجيء .
ثم أمر الملك أن يعد القوم خيراً ، وأن يحسن ظنهم بالملك، ففعل (6)، ثم صرفوا إلى غير موضع حبسهم ، إلى أن بدى جري الريح الغربية ، فعمر بهم زورق ،وعُصبت أعينهم ، وجرى بهم في البحر برهة من الدهر .
قال القوم قدًّرنا انه جرى بنا ثلاثة أيام بلياليها ، حتي جيء بنا إلى البر ، فأُخرجنا ، وكُتفنا إلى خلف ، وتُركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار ، وطلعت الشمس ، ونحن في ضنك وسوء حال ،من شدة الكتاف (7) ، حتى سمعنا ضوضاء وأصوات من ناس .
فصحنا ، فأقبل القوم إلينا ، فوجدونا بتلك الحال السيئة ، فحملونا من وثاقنا ، وسألونا ، فأخبرناهم بخبرنا ، وكانوا برابر ، فقال لنا أحدهم : أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم ، فقلنا : لا ، فقال : أن بينكم وبين بلدكم مسيرة شهرين .
فقال زعيم القوم : واأسفي ، فسُمي المكان إلى اليوم آسفي ،وهو المرسى الذي في أقصى المغرب وقد ذكرناه من قبل هذا ..
ويتمم الإدريسي حديث هولاء الفتية في موضع آخر من الكتاب عنذ ذكره جزائر المحيط الأطلسي ، فيقول :
” وفي هذا البحر أيضاً الأخوين الساحرين ، الذين يسمى أحدهما شرهام والثاني شرام ، ويقال إنما كانا بهذه الجزيرة ، يقطعان على المراكب التي تمر بها بظلمهما ،و يهلكان جميع أهلها ، ويأخذان أموالهم ، فمسخ الله بهما بظلمهما ،وبقيا حجرين على ضفة البحر قائمين ،
ثم عمرت هذه الجزيرة بالناس ، وهي تقابل مرسى آسفي .. ولهذه الجزيرة قصة غريبة ، أخبر عنها المغررون ، من أهل لشبوبة بالأندلس حين أسقطوا إليها بمركبهم “.
ويدل حديث هؤلاء الفتية على ركوبهم البحر المظلم الكبير وخوضهم فيه خمسة وثلاثون يوماً ، عادوا بعدها يقصون الأنباء ، وكانت رحلتهم هى الأولى من نوعها بعد رحلات الفينيقيين القدماء .
وقد ظل المحيط مغلفاً بالأساطير التي دبجها الفينيقيون ،والقرطاجيون عنه ، لحجبه عن أعدائهم ومنافسيهم بإرهابهم (8).
وقد حاولت بعض الدراسات التعرف على المدى الذي وصلت إليه هذه الرحلة استناداً إلى تحويل المسافة بالإيام إلى مسافة ميلية ، باعتبار أن السفينة الشراعية كانت تقطع آنذاك في اليوم مسافة 100 ميل ..
ونوه الباحث د . الشيباني أن جزر الغنم يُعتقد بأنها أحدى “جزر أزور ” ، بينما يعتقد البعض الأخر أنها ” ماديرا “، كما اشار إلى أن القوم نقلوا بعد ذلك إلى احدى “جزر كناري” ، ومنها إلى البر الأفريقي مسافة 300 إلى 450 ميلاً ، إلى موقع آسفي ، أما جزيرة الأخوين الساحرين فهي جزيرة” لانسلوت” ، وبطرفها الشمالي صخرتان متقابلتان (9) .
وبيَّن ان قصة هذه الرحلة قد كانت مجالاً لكتابات عدة ، حاولت الربط بينها وبين قصة رحلة الراهب الإيرلندي ” براندان ” ، وكذلك بينهما وبين اكتشاف أميركة ، وبذلك يرى البعض أن وصول هذه القصة بشكل أو بآخر كان من دوافع من اضطلع بأمر الكشوف الجغرافية نحو الغرب للوصول إلى الشرق غير المحيط الاطلسي رغم أنه لا يوجد دليل مباشر على ذلك .
كاتب وكتاب
( اضغط على الغلاف للمزيد)
كتاب ( رحلة الفتية المغررين في المحيط الأطلسي )، أعدها وعُني بها د . محمد بن إبراهيم الشيباني ، تقع في 60 صفحة من الحجم الوسط ، الطبعة الأولى (1443هجري- 2022م)، منشورات مركز المخطوطات والتراث والوثائق – الكويت .
هامش
1- راجع مخطوط (نزهة المشتاق )
2- طاروس : هو هبوب ، أما التروش فهي الصخور التي لا يكاد يسترها الماء .
3- كان العرب يظنون كما ظن القدماء قبلهم أن البحر في أقصاه مظلم ، ولذلك كان أهل المشرق يسمون أقصى البحر بالبحر الزفتي ، لأن ماءه كدر ورياحه شديدة ، وهو دائم الظلمة تقريبا ، آدم متز، الحضارة غلإسلامية .. ص 433 ( محقق ) .
4-تمت محاصرتهم بقوارب .
5- تم حملهم قسرا في مركب القوم الآخرين .
6- اخبرهم الترجمان بأوامر الملك بالإحسان إليهم .
7 – شدة وثائقهم وتكتيفهم بالحبال .
8- الفينيقيون جماعات تجارية كانت لهم معارفهم الجغرافية عن البحر المتوسط والمحيط الأطلسي ، وبسبب السياسة التجارية التي احتفظوا بأسرارها ، فقد عملوا على حجب اكتشافاتهم البحرية عن غيرهم ، بما قاموا بتدبيجه عنها من خرافات وأساطير مرعبة.
9- الفتية المغرورين من أهل لشبوبنة ، الثقافة ، س 3 ع136 ، 1941م .